فصل: (كِتَابُ الْمَسْتُورَةِ إلَى الْمُزَكِّي فِي التَّعَرُّفِ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(كِتَابُ الْقَاضِي إلَى بَعْضِ الْحُكَّامِ بِالنَّاحِيَةِ لِلتَّوَسُّطِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ):

رَفَعَ إلَيَّ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَنَّ لَهُ خُصُومَةٌ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَبَيَّنَ الْخُصُومَةَ، وَأَنَّهُ لَا يُنْصِفُهُ وَلَا يُوَفِّيهِ حَقَّهُ وَلَا يَحْضُرُ مَعَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيَلْجَأُ إلَى أَهْلِ السُّلْطَانِ فَكَاتَبْتُهُ فِي ذَلِكَ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَيَسْمَعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَجَوَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ يُتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا بِتَرَاضِيهِمَا وَبِفَصْلِهَا، فَإِنْ صَلَحَ الْأَمْرُ وَإِلَّا فَابْعَثْ بِهِمَا إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ قِبَلِي لِأَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِالْحُكْمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.(كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْحَاكِمِ بِالنَّاحِيَةِ لِيُوقِفَ الضَّيْعَةَ):

وَصُورَةُ ذَلِكَ؛ رَجُلٌ ادَّعَى ضَيْعَةً فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَالْقَاضِي فِي مَسْأَلَةِ الشُّهُودِ بَعْدُ؛ فَالْتَمَسَ الْمُدَّعِي مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إلَى حَاكِمِ الْقَرْيَةِ الَّتِي الضِّيَاعُ الْمُدَّعَى بِهَا فِيهَا حَتَّى تَكُونَ تِلْكَ الضِّيَاعُ مَوْقُوفَةً عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَالْقَاضِي يَكْتُبُ.
(وَصُورَتُهُ) يَكْتُبُ الصَّدْرَ عَلَى الرَّسْمِ وَيَكْتُبُ بَعْدَهُ؛ قَدْ ادَّعَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِلْكِيَّةَ الضَّيْعَةِ الَّتِي هِيَ كَرْمٌ مَحُوطٌ مَبْنِيٌّ بِقَصْرِهِ، وَكَذَا دَيْرَةُ أَرْضٍ الَّتِي مَوْضِعُهَا فِي أَرْضِ قَرْيَةِ كَذَا حُدُودُهَا كَذَا وَأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَفِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِي أَحْوَالُ الشُّهُودِ فَالْتَمَسَ هَذَا الْمُدَّعِي مِنِّي كَتْبَ هَذَا الْكِتَابِ إلَيْهِ لِيَجْعَلَ هَذِهِ الضَّيْعَةَ الْمُتَنَازَعَ فِيهَا مَوْقُوفَةً فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَنْقُصُ مِنْ غَلَّاتِهَا وَلَا يَزِيدُ فِيهَا شَيْئًا بَلْ تَكُونُ فِي يَدِهِ مَوْقُوفَةٌ إلَى أَنْ يَظْهَرَ أَحْوَالُ الشُّهُودِ، فَإِنْ انْقَادَ لِذَلِكَ وَإِلَّا أَعْلِمْنِي بِالْجَوَابِ فِي ذَلِكَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى.
(ذِكْرُ الْإِذْنِ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى الْغَائِب) يَكْتُبُ: يَقُولُ الْقَاضِي الْإِمَامُ فُلَانٌ؛ رَفَعَتْ الْمُسَمَّاةُ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ أَنَّ بَعْلَهَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ غَائِبٌ عَنْهَا مِنْ كُورَةِ بُخَارَى وَنَوَاحِيهَا وَتَرَكَهَا ضَائِعَةً مِنْ غَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا كِسْوَةٍ وَأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ فِي الْحَالِ، وَأَحْضَرَتْ مَعَهَا مِنْ جِيرَانِهَا فُلَانًا وَفُلَانًا يَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمَا وَأَنْسَابَهُمَا فَأَخْبَرَنِي هَذَانِ أَنَّ الْحَالَ كَمَا رَفَعَتْ إلَيَّ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَالْتَمَسَتْ مِنِّي تَعْيِينَ نَفَقَتِهَا وَبَدَلِ كِسْوَتِهَا وَالْإِذْنَ لَهَا فِي اسْتِدَانَتِهَا عَلَى هَذَا الْغَائِبِ فَأَجَبْتُهَا إلَى ذَلِكَ وَأَذِنْتُ لَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ هَذَا التَّارِيخِ كَذَا دِرْهَمًا لِمَطْعُومِهَا وَمَأْدُومِهَا، وَكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِمَلْبُوسِهَا إلَى أَنْ يَحْضُرَ الْغَائِبُ فَيَقْضِيَ مَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَأَمَرْتُ بِكَتْبِ هَذَا الذِّكْرِ حُجَّةً فِي ذَلِكَ وَأَشْهَدْتُ عَلَى ذَلِكَ مَنْ حَضَرَنِي مِنْ الثِّقَاتِ.
(ذِكْرُ فَرْضِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ) امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنْ زَوْجِهَا أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَالْتَمَسَتْ مِنْ الْقَاضِي التَّقْدِيرَ لِنَفَقَتِهَا يَكْتُبُ: يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانٌ؛ رَفَعَتْ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ إلَيَّ أَنَّ زَوْجَهَا لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا وَالْتَمَسَتْ مِنِّي تَقْدِيرَ نَفَقَتِهَا فَأَجَبْتُهَا إلَى ذَلِكَ وَفَرَضْتُ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا فُلَانٍ لِمَطْعُومِهَا وَمَأْدُومِهَا لِكُلِّ شَهْرٍ مِنْ هَذَا التَّارِيخِ كَذَا كَذَا دِرْهَمًا وَبَدَلَ كِسْوَتِهَا كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَذَا دِرْهَمًا وَأَلْزَمْتُهُ إدْرَارَ ذَلِكَ عَلَيْهَا لِتَتَوَلَّى الْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهَا وَقَدْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَأَمَرْتُ بِكَتْبِ هَذَا الذِّكْرِ، أَوْ يَكْتُبُ: فَرَضَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ فُلَانَةَ بِنْتِ فُلَانٍ لِطَعَامِهَا وَإِدَامِهَا لِكُلِّ شَهْرٍ مِنْ هَذَا التَّارِيخِ كَذَا دِرْهَمًا إلَى آخِرِهِ، وَيَكْتُبُ الْقَاضِي تَوْقِيعَهُ عَلَى صَدْرِ الذِّكْرِ وَيَكْتُبُ فِي آخِرِهِ: يَقُولُ فُلَانٌ كُتِبَ هَذَا الذِّكْرُ مِنِّي بِأَمْرِي وَجَرَى الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ مِنِّي كَمَا كُتِبَ فِيهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

.(كِتَابُ الْمَسْتُورَةِ إلَى الْمُزَكِّي فِي التَّعَرُّفِ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ):

وَيَكْتُبُ الْقَاضِي بَعْدَ التَّسْمِيَةِ فِي قِطْعَةِ بَيَاضٍ- أَيَّدَ اللَّهُ الْفَقِيهَ- فِي الْوُقُوفِ عَلَى أَحْوَالِ نَفَرٍ شَهِدُوا عِنْدِي يَوْمَ كَذَا لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ بِدَعْوَاهُ كَذَا وَيَصِفُ الدَّعْوَى، ثُمَّ يَقُولُ: أُثْبِتُ لَكَ أَسَامِيَهُمْ آخِرَ مَسْتُورَتِي لِتَعْرِفَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَلِتُعْلِمَنِي مَا صَحَّ عِنْدَكَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ لِأَقِفَ عَلَيْهِ، وَيَكُونَ الْعَمَلُ فِيهِ بِحَسَبِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ يَكْتُبُ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، حِلْيَتُهُ كَذَا، مَحَلَّتُهُ كَذَا، وَمَتْجَرُهُ كَذَا، وَمُصَلَّاهُ مَسْجِدُ كَذَا.
(جَوَابُ الْمُزَكِّي) أَنْ يُرَتِّبَهُمْ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ أَعْلَاهَا جَائِزُ الشَّهَادَةِ أَوْ عَدْلٌ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ عَدْلٌ مَا لَمْ يَقُلْ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا وَلَا يَكُونَ مَقْبُولَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ هِيَ الِانْزِجَارُ عَنْ تَعَاطِي مَا يَعْتَقِدُهُ الْإِنْسَانُ مَحْظُورَ دِينِهِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِأَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
وَالْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ؛ مَسْتُورٌ، وَالْمَسْتُورُ هُوَ الْفَاسِقُ وَالثِّقَةُ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَا لِفِسْقِهِ وَلَكِنْ لِغَفْلَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، وَبَعْضُ الْقُضَاةِ يُقِيمُونَ كُلَّ ثِقَتَيْنِ مَقَامَ عَدْلٍ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْحَاكِمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ، وَالْمَسْتُورُ فِي عُرْفِ مَشَايِخِنَا مَنْ لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُ بِالدِّيَانَةِ وَلَا بِالدَّعَارَةِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(مَحَاضِرُ وَسِجِلَّاتٌ رُدَّتْ لِخَلَلٍ فِيهَا) وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى رَجُلٍ زَعَمَ أَنَّهُ وَصِيُّ صَغِيرٍ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ دَيْنًا لِذَلِكَ الصَّغِيرِ عَلَى رَجُلٍ؛ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ الدَّيْنَ لِهَذَا الصَّغِيرِ بِأَيِّ سَبَبٍ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ مَوْرُوثًا وَلِلْمَيِّتِ وَارِثٌ سِوَى هَذَا الصَّغِيرِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ الدَّيْنُ لِلصَّغِيرِ بِالْقِسْمَةِ، وَقِسْمَةُ الدَّيْنِ بَاطِلَةٌ وَالشُّهُودُ فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى مَوْتِ الْأَبِ وَلَا عَلَى الْإِيصَاءِ إلَى الْمُدَّعِي وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ لِلصَّغِيرِ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ) صُورَتُهُ حَضَرَ وَأَحْضَرَ فَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدِ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ حُدُودُهَا كَذَا مِلْكُ فُلَانٍ الصَّغِيرِ بِسَبَبِ أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكَ وَالِدِ هَذَا الصَّغِيرِ فُلَانٍ الْمُسَمَّى فِي الْمَحْضَرِ؛ اشْتَرَاهَا لِابْنِهِ الصَّغِيرِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْمَحْضَرِ بِمَالِ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ بِوِلَايَةِ الْأُبُوَّةِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ هُوَ مِثْلُ قِيمَةِ الدَّارِ، وَالْيَوْمَ هَذِهِ الدَّارُ الْمَحْدُودَةُ مِلْكُ هَذَا الصَّغِيرِ بِهَذَا السَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَفِي يَدِ هَذَا الْمُحْضَرِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَى هَذَا الْحَاضِرِ لِيَقْبِضَهَا لِهَذَا الصَّغِيرِ الْمُسَمَّى فِي هَذَا الْمَحْضَرِ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَنَّ الْإِذْنَ الْحُكْمِيَّ لِهَذَا الْمُدَّعِي مِنْ جِهَةِ هَذَا الْقَاضِي أَوْ مِنْ جِهَةِ قَاضٍ آخَرَ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ مِنْ جِهَةِ قَاضٍ آخَرَ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي لِيَسْمَعَ خُصُومَتَهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَأْذُونِي الْقَبْضِ إنَّمَا الْمَذْكُورُ فِيهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ، وَلَعَلَّ أَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا بِالدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ دُونَ الْقَبْضِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يَكُونَ مَأْذُونًا بِالْقَبْضِ لَا يَكُونَ لَهُ حَقُّ الْقَبْضِ عِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-؛ لِأَنَّ الْمَأْذُونَ بِالدَّعْوَى وَالْخُصُومَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ، وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ مَأْذُونًا بِالْقَبْضِ أَوْ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِهِ وَصِيًّا، فَإِنَّ الْإِيصَاءَ يُثْبِتُ وِلَايَةَ الْقَبْضِ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ الثَّمَنَ مِثْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ مِنْ كَوْنِ الثَّمَنِ مِثْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ الْمِيرَاثَ عَلَى وَارِثِ الزَّوْجِ الْمَيِّتِ وَدَعْوَى الْوَارِثِ الصُّلْحَ عَلَيْهَا) رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَابْنًا صَغِيرًا فَحَضَرَتْ الْمَرْأَةُ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَأَحْضَرَتْ ابْنَ الزَّوْجِ مَعَهَا وَطَلَبَتْ مِنْهُ مِيرَاثَهَا فَادَّعَى الِابْنُ أَنَّهَا صَالَحَتْ مِنْ جَمِيعِ نَصِيبِهَا مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ وَعَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ قَبِلَ الصُّلْحَ عَنْ نَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَعَنْ أَخِيهِ الصَّغِيرِ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ، وَهَذَا الصُّلْحُ كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ وَقَدْ قَبَضَتْ بَدَلَ الصُّلْحِ، وَلَمْ يَبْقَ لَهَا فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ حَقٌّ وَهِيَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى مُبْطِلَةٌ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَحْضَرِ بَيَانُ التَّرِكَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ إلَّا بِاسْتِثْنَاءِ الدَّيْنِ عَنْ الصُّلْحِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِنْ خِلَافِ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ النَّقْدِ مِقْدَارُ مَا يُصِيبُهَا بِالْمِيرَاثِ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ بَدَلِ الصُّلْحِ أَوْ زَائِدًا عَلَيْهِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ لِمَكَانِ الرِّبَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ مِنْ النَّقْدِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ ذِكْرُ قَبْضِ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي الْمَجْلِسِ، وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ بِجَوَازِ هَذَا الصُّلْحِ، وَيَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ نَصِيبُهَا مِنْ ذَلِكَ مِثْلَ بَدَلِ الصُّلْحِ وَأَقَلَّ بَلْ يَكُونُ أَزْيَدَ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ شَيْءٌ مِنْ نَقْدٍ آخَرَ فَمَا ذُكِرَ كُلُّهُ وَهْمٌ، وَبِالْوَهْمِ لَا يُمْكِنُ إبْطَالُ الصُّلْحِ، كَذَا فِي فُصُولِ الأستروشني.
وَهَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى تَجْهِيلِ الْوَدِيعَةِ) حَضَرَ وَأَحْضَرَ فَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنِّي دَفَعْتُ إلَى أَبِي هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ فُلَانٍ صُرَّةً مَشْدُودَةً مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ بِضَاعَةُ إبْرَاهِيمَ الْحَاجِّيِّ، وَفِيهَا خَمْسَةُ أَعْدَادٍ مِنْ اللعل البدخشاني وَزْنُ كُلِّ وَاحِدٍ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ وَقِيمَةُ الْكُلِّ كَذَا، وَإِنَّ أَبَا هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ فُلَانٌ قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنِّي قَبْضًا صَحِيحًا وَتُوُفِّيَ قَبْلَ رَدِّ ذَلِكَ إلَيَّ مُجَهِّلًا لَهَا مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ، وَصَارَتْ قِيمَةُ جَمِيعِ ذَلِكَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي دَعْوَاهُ وَالشُّهُودَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يُبَيِّنُوا قِيمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَ التَّجْهِيلِ، إنَّمَا بَيَّنُوا قِيمَتَهَا يَوْمَ الدَّفْعِ، وَالْوَاجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ بَيَانُ قِيمَةِ الْأَعْيَانِ يَوْمَ التَّجْهِيلِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ التَّجْهِيلُ فَيُرَاعَى الْقِيمَةُ يَوْمَ التَّجْهِيلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(قُلْتُ) قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ رَجُلٌ أَوْدَعَ رَجُلًا عَبْدًا وَجَحَدَهُ الْمُودَعُ وَمَاتَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُودِعُ بَيِّنَةً عَلَى الْإِيدَاعِ وَعَلَى قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ قَضَى عَلَى الْمُودَعِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ، وَلَوْ قَالُوا: لَا نَعْلَمُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجُحُودِ وَلَكِنْ عَلِمْنَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِيدَاعِ وَهِيَ كَذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَى الْمُودَعِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْإِيدَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الضَّمَانِ عَلَى الْمُودَعِ فِي فَصْلِ الْجُحُودِ إذَا عَلِمَ قِيمَةَ الْوَدِيعَةِ يَوْمَ الْجُحُودِ وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجُحُودِ وَعَلِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْإِيدَاعِ فَسَبَبُ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الْإِيدَاعِ، وَهَذَا لِأَنَّ الضَّمَانَ، إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُودَعِ بِالْجُحُودِ وَالْقَبْضِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ لَوْ جَحَدَ الْوَدِيعَةَ، وَقَالَ: لَا وَدِيعَةَ لَكَ عِنْدِي وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَهَا لَا يَجِبُ الضَّمَانُ.
وَإِذَا كَانَ قَبَضَهَا، وَلَمْ يَجْحَدْ لَا يَجِبُ الضَّمَانُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَالْجُحُودُ آخِرُهُمَا وُجُودًا فَيُحَالُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ فَقَدْ أَمْكَنَ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَجَعَلْنَا سَبَبَ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ الْجُحُودَ وَأَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ يَوْمَ الْجُحُودِ وَإِذَا لَمْ يَشْهَدُوا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ وَشَهِدُوا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِيدَاعِ تَعَذَّرَ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْجُحُودِ وَأَحَلْنَاهُ عَلَى الْقَبْضِ السَّابِقِ وَجَعَلْنَا سَبَبَ الضَّمَانِ فِي حَقِّهِ الْقَبْضَ السَّابِقَ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ: لَا نَعْلَمُ قِيمَتَهُ أَصْلًا لَا يَوْمَ الْجُحُودِ وَلَا يَوْمَ الْإِيدَاعِ فَإِنَّمَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا يُقِرُّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْجُحُودِ كَمَا فِي الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ الْمَغْصُوبُ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِمَا يُقِرُّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْغَصْبِ فَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي مَسْأَلَةِ التَّجْهِيلِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ بِقِيمَةِ الْبِضَاعَةِ يَوْمَ التَّجْهِيلِ وَشَهِدُوا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْإِبْضَاعِ أَنْ يَقْضِيَ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ الْإِبْضَاعِ، وَإِنْ قَالُوا: لَا نَعْرِفُ قِيمَتَهَا أَصْلًا يُقْضَى بِمَا يُقِرُّ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْإِبْضَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
(سِجِلٌّ لَمْ يُكْتَبْ فِي آخِرِهِ: وَحَكَمْتُ بِكَذَا فِي مَجْلِسِ قَضَائِي بِكُورَةِ كَذَا تَرَكُوا ذِكْرَ الْكُورَةِ) فَرُدَّ السِّجِلُّ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمِصْرَ شَرْطُ نَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، قَالُوا: لَيْسَ أَنَّهُ كَتَبَ فِي أَوَّلِ السِّجِلِّ حَضَرَ مَجْلِسَ قَضَائِي فِي كُورَةِ كَذَا، قِيلَ هَذَا حِكَايَةُ أَوَّلِ الدَّعْوَى، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي الْكُورَةِ، وَالْحُكْمُ وَالْقَضَاءُ يَكُونُ فِي الْخَارِجِ مِنْ الْكُورَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْكُورَةِ عِنْدَ ذِكْرِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ لِقَطْعِ هَذَا الِاحْتِمَالِ.
وَلَكِنَّ هَذَا الطَّعْنَ عِنْدِي فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ الْمِصْرُ لَيْسَ بِشَرْطِ نَفَاذِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَيْءٍ خَارِجَ الْمِصْرِ كَانَ قَضَاؤُهُ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَيَصِحُّ سِجِلُّهُ وَيَصِيرُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ.
(سِجِلٌّ وَرَدَ مِنْ قَاضٍ كُتِبَ فِي آخِرِهِ، يَقُولُ فُلَانٌ: كُتِبَ هَذَا السِّجِلُّ عَنِّي بِأَمْرِي وَمَضْمُونُهُ حُكْمِي كَذَا) فَأَخَذُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: قَوْلُهُ مَضْمُونُهُ حُكْمِي كَذَا كَذِبٌ وَخَطَأٌ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ السِّجِلِّ أَشْيَاءُ التَّسْمِيَةِ وَحِكَايَةُ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَإِنْكَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَشَهَادَةُ الشُّهُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَإِنَّمَا حُكْمُ الْقَاضِي بَعْضُ مَضْمُونِ السِّجِلِّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ، وَفِي مَضْمُونِهِ حُكْمِي أَوْ يَكْتُبَ وَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِيهِ حُكْمِي أَوْ يَكْتُبَ وَالْقَضَاءُ الْمَذْكُورُ فِيهِ قَضَائِي نَفَّذْتُهُ بِحُجَّةٍ لَاحَتْ عِنْدِي.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الدَّنَانِيرِ الْمَكِّيَّةِ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ) صُورَتُهُ حَضَرَ وَأَحْضَرَ فَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ أَنَّ هَذَا الْحَاضِرَ مَعَ هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ اشْتَرَكَا شَرِكَةَ عِنَانٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ رَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَا كَذَا عَدَلِيًّا مِنْ ضَرْبِ كَذَا عَلَى أَنْ يَبِيعَا وَيَشْتَرِيَا جُمْلَةً وَعَلَى الِانْفِرَادِ مَا بَدَا لَهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَالْأَقْمِشَةِ، وَأَحْضَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَأْسَ مَالِهِ وَخَلَطَاهُ وَجَعَلَاهُ فِي يَدِ هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ، وَأَنَّ هَذَا الْمُحْضَرَ مَعَهُ اشْتَرَى بِهَذِهِ الْعَدْلِيَّاتِ الَّتِي هِيَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِكَةِ كُلِّهَا كَذَا كَذَا مِنْ الْكَرَابِيسِ، ثُمَّ بَاعَهَا بِكَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ الْمَكِّيَّةِ الْمَوْزُونَةِ بِوَزْنِ مَكَّةَ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ الْمَكِّيَّةِ، وَذَلِكَ كَذَا إذْ هِيَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا فِي يَدِهِ وَطَالَبَهُ بِذَلِكَ، وَسَأَلَ مَسْأَلَتَهُ (فَرُدَّ هَذَا الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَتْ فِي الدَّنَانِيرِ الْمَكِّيَّة؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَتْ فِي ثَمَنِ الْكَرَابِيسِ، وَثَمَنُ الْكَرَابِيسِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَكِّيَّةِ نَقْلِيَّةٌ وَالدَّعْوَى فِي النَّقْلِيَّاتِ وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهَا حَالَ غَيْبَتِهَا لَا تُسْمَعُ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَوَابٍ عِنْدَنَا.
وَلَا يَجُوزُ رَدُّ الْمَحْضَرِ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ فِي الْمَنْقُولِ، إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِلْإِشَارَةِ إلَيْهِ، وَفِي الدَّنَانِيرِ وَمَا أَشْبَهَهَا لَا يُمْكِنُ الْإِشَارَةُ؛ لِأَنَّ الْبَعْضَ يُشْبِهُ الْبَعْضَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّمْيِيزُ وَالْفَصْلُ، ثُمَّ هَذَا الْعَقْدُ لَمْ يَصْلُحْ شَرِكَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعِدْلِيَّ الَّذِي فِي زَمَانِنَا بِمَنْزِلَةِ الْفُلُوسِ، وَالْفُلُوسُ لَا تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِهِمَا فَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ دَافِعُ الْعَدْلِيَّاتِ قَالَ لِشَرِيكِهِ يَوْمَ دَفْعِ الْعَدْلِيَّاتِ إلَيْهِ اشْتَرِ بِهَا وَبِعْ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَإِذَا اشْتَرَى الشَّرِيكُ بِالْعِدْلِيَّاتِ الْكَرَابِيسَ وَبَاعَ الْكَرَابِيسَ بِالْمَكِّيِّ وَاشْتَرَى بِالْمَكِّيِّ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ وَبَاعَهُ هَكَذَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَجَمِيعُ الْبِيَاعَاتِ نَافِذَةٌ وَالْمُشْتَرَى فِي كُلِّ مَرَّةٍ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَالثَّمَنُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مَعَ الرِّبْحِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ إنْ لَمْ تَنْفُذْ عَلَى الدَّافِعِ بِحُكْمِ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تَصِحَّ؛ نَفَذَتْ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَالْأَمْرِ، وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ قَالَ لِشَرِيكِهِ: اشْتَرِ بِهَذِهِ الْعَدْلِيَّاتِ وَبِعْ، وَلَمْ يَقُلْ: مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَإِذَا اشْتَرَى بِهَا الْكَرَابِيسَ، ثُمَّ بَاعَ الْكَرَابِيسَ انْتَهَتْ الْوَكَالَةُ بِنِهَايَتِهَا وَوَجَبَ عَلَى الشَّرِيكِ دَفْعُ الْمَكِّيَّاتِ إلَى الدَّافِعِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَعَ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا اشْتَرَى بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا يَصِيرُ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ، فَإِذَا نَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ الْمَكِّيِّ صَارَ غَاصِبًا لِحِصَّةِ الدَّافِعِ مِنْ الْمَكِّيِّ فَيَصِيرُ ضَامِنًا لَهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ) صُورَتُهُ ادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنَّ أَبَا هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَوْصَى لِهَذَا الْحَاضِرِ بِثُلُثِ جَمِيعِ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَثَبَاتِ عَقْلِهِ وَصِيَّةً صَحِيحَةً، وَأَنَّ هَذَا الْحَاضِرَ قَبِلَ مِنْهُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ قَبُولًا صَحِيحًا، وَصَارَ ثُلُثُ جَمِيعِ تَرِكَةِ أَبِي هَذَا الْمُحْضَرِ لِهَذَا الْحَاضِرِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي يَدِ هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ مِنْ تَرِكَةِ أَبِيهِ كَذَا، وَكَذَا فَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ ذَلِكَ إلَى هَذَا الْحَاضِرِ لِيَقْبِضَهُ لِنَفْسِهِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ أَوْصَى فِي حَالِ جَوَازِ تَصَرُّفَاتِهِ وَنَفَاذِهَا، إنَّمَا كَانَ فِيهِ أَوْصَى فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَثَبَاتِ عَقْلِهِ.
وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ صَحِيحًا ثَابِتَ الْعَقْلِ أَنْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْحَجْرَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ السَّفِيهَ الْمُبَذِّرَ لِمَالِهِ إذَا أَوْصَى بِوَصَايَا فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ وَصَايَاهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجُوزُ وَصَايَاهُ مَا وَافَقَ وَصَايَا أَهْلِ الصَّلَاحِ، وَلَا يَعُدُّونَ ذَلِكَ سَرَفًا مِنْ الْمُوصِي وَلَا يَسْتَفْحِشُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ أَوْصَى لَهُ طَائِعًا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الطَّوَاعِيَةِ فَإِنَّ وَصِيَّةَ الْمُكْرَهِ لَا تَصِحُّ وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- عِلَّةً أُخْرَى لِرَدِّ الْمَحْضَرِ وَهُوَ تَرْكُ ذِكْرِ حُرِّيَّةِ الْمُوصِي فِي الْمَحْضَرِ، وَهَذَا وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ صَارَتْ مُسْتَفَادَةً مِنْ قَوْلِهِ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْكَفَالَةِ) صُورَتُهُ ادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنَّهُ كَفَلَ لِي بِنَفْسِ فُلَانٍ عَلَى أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ يَوْمَ كَذَا فَهُوَ كَفِيلٌ بِالْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَأَنِّي قَدْ أَجَزْتُ كَفَالَتَهُ، ثُمَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَ فُلَانٍ إلَيَّ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي عَيَّنَّهُ لِتَسْلِيمِ النَّفْسِ فِيهِ وَصَارَ كَفِيلًا بِالْمَالِ الَّذِي لِي عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَلْفٌ وَطَالَبَهُ بِذَلِكَ، وَسَأَلَ مَسْأَلَتَهُ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ ذِكْرُ الْأَلْفِ الَّتِي ادَّعَى الْكَفَالَةَ بِهَا أَنَّهَا مَاذَا.
وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالدِّيَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْأَلْفِ أَنَّهَا مَاذَا حَتَّى يُنْظَرَ أَنَّهُ هَلْ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَإِنَّ دَعْوَى الْكَفَالَةِ هَلْ هِيَ مَسْمُوعَةٌ أَوْ لَا وَعِلَّةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّهُ أَجَازَ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إجَازَةِ الْكَفَالَةِ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ فَإِنَّ مَنْ كَفَلَ لِغَائِبٍ، وَلَمْ يَقْبَلْ عَنْهُ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ، وَلَا خَاطَبَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ فَبَلَغَ الْغَائِبَ ذَلِكَ وَأَجَازَ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- الْأَوَّلُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: دَعْوَى الْإِجَازَةِ فِي الْكَفَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَدَعْوَى الْكَفَالَةِ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الْإِجَازَةِ كَمَا أَنَّ دَعْوَى الْبَيْعِ يَتَضَمَّنُ دَعْوَى الشِّرَاءِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ دَعْوَى الْإِجَارَةِ شَرْطٌ يَشْتَرِطُ دَعْوَى الْإِجَازَةِ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ، وَلَوْ قَالَ: أَجَزْتُ الْكَفَالَةَ فِي مَجْلِسِي، وَلَمْ يَقُلْ فِي مَجْلِسِ الْكَفَالَةِ فَذَلِكَ لَا يَكْفِي فَلَعَلَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَمْ يُجِزْ الْكَفَالَةَ حَتَّى قَامَ الْكَفِيلُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَذَهَبَ، ثُمَّ أَجَازَ فَذَلِكَ إجَازَةٌ فِي مَجْلِسِ الْمَكْفُولِ لَهُ إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ بِالْإِجْمَاعِ.
وَلَوْ ادَّعَى الْكَفَالَةَ مَرَّةً، وَلَمْ يَدَّعِ الْإِجَازَةَ، ثُمَّ ادَّعَى الْكَفَالَةَ مَرَّةً أُخْرَى وَادَّعَى الْإِجَازَةَ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ بِحُكْمِ الضَّمَانِ) صُورَتُهُ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهَا كَانَتْ مَنْكُوحَةَ فُلَانٍ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَهَذَا الرَّجُلُ ضَمِنَ لِي جَمِيعَ الْمَهْرِ ضَمَانًا صَحِيحًا، وَقَدْ أَجَزْتُ ضَمَانَهُ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ، ثُمَّ إنِّي صِرْتُ مُحَرَّمَةً عَلَى زَوْجِي فُلَانٍ حُرْمَةً غَلِيظَةً وَصَارَ مَهْرِي عَلَى زَوْجِي فُلَانٍ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي ضَمِنَ الْمَهْرَ لِي عَنْهُ حَالًّا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ جَمِيعِ مَهْرِي، وَذَلِكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ، وَسَأَلَتْهُ مَسْأَلَتَهُ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِسَبَبِ أَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ سَبَبَ الْحُرْمَةِ أَنَّهَا بِأَيِّ سَبَبٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَأَسْبَابُ الْحُرْمَةِ نَوْعَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَعَلَّ أَنَّهَا زَعَمَتْ الْحُرْمَةَ بِسَبَبٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ وَيَكُونُ عِنْدَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي بِخِلَافِ مَا زَعَمَتْ، وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ الْغَلِيظَةَ قَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهَا وَأَنَّهَا تُوجِبُ سُقُوطَ جَمِيعِ الصَّدَاقِ عَنْ الزَّوْجِ وَالْكَفِيلِ جَمِيعًا إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَقَدْ تَكُونُ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا تُوجِبُ سُقُوطَ نِصْفِ الصَّدَاقِ عَنْ الزَّوْجِ وَالْكَفِيلِ إذَا كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَهِيَ لَمْ تُبَيِّنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ كَانَتْ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ أَوْ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى جَمِيعِ الْمَهْرِ عَلَى الْكَفِيلِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ ذَلِكَ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْكَفَالَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ مُعَلَّقَةً بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ) صُورَتُهُ امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّكَ كَفَلْتَ لِي عَنْ زَوْجِي فُلَانٍ بِدِينَارٍ أَحْمَرَ جَيِّدٍ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي فُلَانٍ كَفَالَةً مُعَلَّقَةً بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَيْنَنَا، وَقَدْ أَجَزْتُ ضَمَانَكَ فِي مَجْلِسِ الضَّمَانِ، وَقَدْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي بِسَبَبِ أَنَّ الزَّوْجَ جَعَلَ أَمْرِي بِيَدَيَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى غَابَ عَنِّي شَهْرًا فَأَنَا أُطَلِّقُ نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً.
وَقَدْ غَابَ عَنِّي شَهْرًا مِنْ تَارِيخِ الْأَمْرِ وَطَلَّقْتُ نَفْسِي بِحُكْمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَصِرْتَ كَفِيلًا لِي بِدِينَارٍ مِنْ صَدَاقِي فَوَاجِبٌ عَلَيْكَ أَدَاءُ الدِّينَارِ إلَيَّ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فَأَفْتَوْا بِصِحَّةِ الْمَحْضَرِ، وَقَالُوا بِقَبُولِ بَيِّنَتِهَا وَبِالْقَضَاءِ عَلَى الْكَفِيلِ بِالدِّينَارِ، قَالُوا وَيَكُونَ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الزَّوْجِ بِالْفُرْقَةِ؛ لِأَنَّهَا ادَّعَتْ عَلَى الْكَفِيلِ أَمْرًا لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِإِثْبَاتِ أَمْرٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ جَعْلُ الْأَمْرِ بِيَدِهَا وَتَطْلِيقُهَا نَفْسَهَا بِحُكْمِ ذَلِكَ الْأَمْرِ عِنْدَ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ فَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَنْ الزَّوْجِ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا أَصْلٌ مُمَهَّدٌ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ، وَلَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى شَيْئَانِ الْفُرْقَةُ عَلَى الْغَائِبِ وَالْمَالُ عَلَى الْحَاضِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَى الْغَائِبِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِثُبُوتِ الْمُدَّعَى عَلَى الْحَاضِرِ بَلْ هُوَ شَرْطُهُ، وَفِي مِثْلِ هَذَا لَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ، عَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ بِالْمَالِ، وَلَا يَقْضِيَ بِالْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجِ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى مِلْكِيَّةِ أَرْضٍ عَلَى رَجُلٍ فِي يَدِهِ بَعْضُ تِلْكَ الْأَرْضِ) وَصُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَرْضًا فِي يَدِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَفِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ وَقَضَى الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي بِالْأَرْضِ كَمَا هُوَ الرَّسْمُ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُدَّعَى بِهَا كَانَتْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي يَدِ رَجُلٍ آخَرَ، قِيلَ: الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي ظَهَرَ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِإِقْرَارِهِ أَكْذَبَ شُهُودَهُ فِي بَعْضِ مَا شَهِدُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَتَكْذِيبُ الْمُدَّعِي شُهُودَهُ فِي بَعْضِ مَا شَهِدُوا بَعْدَ الْقَضَاءِ يُوجِبُ بُطْلَانَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا عَلَيْهِ إشَارَاتُ الْأَصْلِ وَالْجَامِعِ.
فَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الدَّارَ الْمُدَّعَى بِهَا كَانَتْ فِي يَدَيَّ وَفِي يَدِ فُلَانٍ وَقْتَ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ تَنْفِي كَوْنَ الْمُدَّعَى بِهِ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ بُطْلَانُ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى نَصِيبٍ شَائِعٍ مِنْ الْأَرْضِ) بِأَنْ ادَّعَى كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا مِنْ الْأَرْضِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُدَّعِي وَالشُّهُودُ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَرْضِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ أَجَابُوا بِالْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا كَوْنَ جَمِيعِ الْأَرْضِ فِي يَدِهِ وَمَا لَمْ يُثْبِتْ كَوْنَ جَمِيعِ الْأَرْضِ فِي يَدِهِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْبَعْضِ فِي يَدِهِ فِي دَعْوَى الْمُشَاعِ، وَبَعْضُهُمْ أَفْتَوْا بِالصِّحَّةِ إذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَى بَعْضِ الشَّيْءِ شَائِعًا إثْبَاتُهَا عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ غَصْبَ نِصْفِ الْعَيْنِ شَائِعًا لَا يُتَصَوَّرُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْفَضْلِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي إشَارَاتِهِ، وَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي يُشِيرُ إلَى أَنَّ غَصْبَ نِصْفِ الْعَيْنِ شَائِعًا يُتَصَوَّرُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ غَصْبُ الْعَيْنِ مِنْ رَجُلَيْنِ يَعْنِي: غَصَبَ رَجُلَانِ عَيْنًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَصِيرُ غَاصِبًا نِصْفَ الْعَيْنِ مُشَاعًا.
أَلَا يَرَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ إذَا اسْتَأْجَرَا دَارًا أَوْ اشْتَرَيَاهَا وَشَغَلَاهَا بِأَمْتِعَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُثْبِتًا يَدَهُ عَلَى نِصْفِهَا شَائِعًا، وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْجَامِعِ فِي مَوَاضِعَ عَلَى تَصَوُّرِ غَصْبِ نِصْفِ الْعَيْنِ شَائِعًا كَذَا فِي فُصُولِ الأستروشني.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى شِرَاءِ الْمَحْدُودِ مِنْ وَالِدِ صَاحِبِ الْيَدِ) ادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَنَّ الْمَنْزِلَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ حُدُودُهُ كَذَا وَمَوْضِعُهُ كَذَا كَانَ مِلْكًا لِوَالِدِهِ فُلَانٍ وَحَقًّا لَهُ، وَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنِّي فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَنَفَاذِ تَصَرُّفَاتِهِ بِكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا فِي شَهْرِ هَذَا، وَهَكَذَا أَقَرَّ لِي فِي حَيَاتِهِ بِبَيْعِ هَذَا الْمَحْدُودِ بِهَذَا التَّارِيخِ وَجَاءَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ وَالِدِهِ فُلَانٍ بِهَذَا الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ.
وَقَالُوا: وَالْيَوْمَ هَذَا الْمَنْزِلُ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعِي بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ، وَفِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ أَنَّ فِي الْمَحْضَرِ خَلَلًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَالْمَذْكُورُ فِي دَعْوَى الْمُدَّعِي إقْرَارُ الْبَائِعِ مُضَافًا إلَى تَارِيخِ الْبَيْعِ وَهُوَ يَوْمُ كَذَا، وَلَعَلَّ هَذَا الْإِقْرَارَ كَانَ فِي يَوْمِ كَذَا، وَلَكِنْ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ بِتَارِيخِ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْبَيْعِ بَاطِلٌ فَالشَّهَادَةُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ قَبْلَ الْبَيْعِ تَكُونُ بَاطِلَةً أَيْضًا، وَلِأَنَّ الشُّهُودَ فِي شَهَادَتِهِمْ قَالُوا: الْيَوْمَ هَذَا الْمَنْزِلُ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعِي بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ، وَالسَّبَبُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْمَحْضَرِ الْبَيْعُ لَا الْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَصْلُحُ بِسَبَبِ مِلْكٍ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْبَيْعِ، إنَّمَا شَهَادَتُهُمْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ، وَلَكِنَّ هَذَا الزَّعْمَ فَاسِدٌ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ الْعَاقِلِ وَتَصَرُّفِهِ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ بِقَضِيَّةِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ هَاهُنَا فِي أَنْ يُحْمَلَ دَعْوَى الْمُدَّعِي الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ عَلَى دَعْوَاهُ الْإِقْرَارَ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ، وَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى هَذَا الثَّانِي أَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِ الْعَاقِلِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُعْتَادِ، وَالنَّاسُ فِي عَادَتِهِمْ يُرِيدُونَ بِهَذَا الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِذَلِكَ التَّارِيخِ.
وَأَمَّا الثَّانِي- قُلْنَا هَذَا شَهَادَةٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالْبَيْعِ، وَالْبَيْعُ سَبَبُ الْمِلْكِ فَتَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى الْإِقْرَارِ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، وَأَنَّهُ صَحِيحٌ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْجَارِيَةِ) حَضَرَ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِلْكُهُ وَالْجَارِيَةُ مُنْكِرَةٌ فَجَاءَ الَّذِي حَضَرَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ (روزى مردى بيامد واين جَارِيَة حَاضِر آورده راباين حَاضِر آمده بفر وخت ببهاء مَعْلُوم وبوى تَسْلِيم كرد) فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا بِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمُدَّعِي بِطَرِيقِ الِانْتِقَالِ مِنْ بَائِعِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ لِيَثْبُتَ الِانْتِقَالُ إلَى الْمُدَّعِي.
وَلَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ لِكَوْنِ الْبَائِعِ مَجْهُولًا، وَإِثْبَاتُ الْمِلْكِ لِلْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ كَيْفَ يَثْبُتُ الِانْتِقَالُ مِنْهُ إلَى الْمُدَّعِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَائِعُ مَعْلُومًا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَيَقْضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْمُدَّعِي، وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ- أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا أَنَّ رَجُلًا بَاعَهَا مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ اشْتَرَاهَا، وَيَجُوزُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ بَاعَهَا إلَّا أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَشْتَرِهَا وَبِمُجَرَّدِ الْبَيْعِ بِدُونِ الشِّرَاءِ لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ، وَلَكِنَّ الْعِلَّةَ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْبَيْعِ يَتَضَمَّنُ الشِّرَاءَ وَذِكْرَ الشِّرَاءِ يَتَضَمَّنُ الْبَيْعَ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنِّي بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ كَانَتْ دَعْوَاهُ الْبَيْعَ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ اشْتَرَى، وَكَذَلِكَ إذَا ادَّعَى أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ بَاعَ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنِّي كَانَتْ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: وَأَنَا اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ، ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْجَارِيَةِ أَيْضًا) حَضَرَ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ جَارِيَةً وَادَّعَى أَنَّهَا جَارِيَتُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ فَطَاعَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا وَالْجَارِيَةُ تُنْكِرُ دَعْوَاهُ فَجَاءَ الَّذِي حَضَرَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ فَاخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الدَّعْوَى فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ وُجُوبِ الطَّاعَةِ؛ لِأَنَّ الطَّاعَةَ بِتَسْلِيمِهَا نَفْسَهَا إلَيْهِ وَتَسْلِيمَ الْمَبِيعِ إنَّمَا يَجِبُ بَعْدَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَالْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ لَمْ يَذْكُرْ نَقْدَ الثَّمَنِ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَصْلًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ مَا شَهِدُوا بِمِلْكِ الْبَائِعِ لَا نَصًّا وَلَا دَلَالَةً وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يَقْضِي بِالْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ (وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ) رَجُلٌ مَاتَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّ الْمَيِّتَ عَتِيقُ وَالِدِي فُلَانٍ كَانَ أَعْتَقَهُ وَالِدِي فِي حَيَاتِهِ وَمِيرَاثُهُ لِي لِأَنِّي ابْنُ مُعْتِقِهِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي فَأَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِنَا بِفَسَادِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالصِّحَّةِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَقُلْ فِي دَعْوَاهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَالْإِعْتَاقُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ بَاطِلٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي دَعْوَى الْأَصْلِ فِي بَابِ دَعْوَى الْعِتْقِ إذَا أَقَامَ عَبْدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ يُنْكِرُ ذَلِكَ أَوْ يُقِرُّ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ عَبْدُهُ قَضَى الْقَاضِي لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ شُهُودَ الْعِتْقِ شَهِدُوا بِعِتْقٍ بَاطِلٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فِي شَهَادَتِهِمْ وَفُلَانٌ يَمْلِكُهُ وَالْمِلْكُ لَا يَثْبُتُ لِفُلَانٍ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ وَالْعِتْقُ بِلَا مِلْكٍ بَاطِلٌ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِعِتْقٍ بَاطِلٍ فَصَارَ وُجُودُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ، وَلَوْ عَدِمَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَكَانَ يَقْضِي لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ عَبْدُهُ كَذَا هَاهُنَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شُهُودُ الْعَبْدِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ يَقْضِي لِلَّذِي شَهِدُوا أَنَّهُ عَبْدُهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ تَعْتَمِدُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ وَالشُّهُودُ لَمْ يَشْهَدُوا لَهُ بِالْمِلْكِ، وَلَوْ شَهِدَ شُهُودُ الْعَبْدِ أَنَّ فُلَانًا أَعْتَقَهُ وَهُوَ يَمْلِكُهُ وَشَهِدَ شُهُودُ الْآخَرِ أَنَّهُ عَبْدُهُ قَضَى بِبَيِّنَةِ الْعِتْقِ.
لِأَنَّ إثْبَاتَ الْعَبْدِ الْمِلْكَ لِمُعْتِقِهِ كَإِثْبَاتِ الْمُعْتِقِ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَنَّ الْمُعْتِقَ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ عَبْدُهُ أَعْتَقَهُ قَضَى بِبَيِّنَةِ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ اسْتَوَتَا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ، وَفِي إحْدَاهُمَا زِيَادَةُ إثْبَاتِ الْعِتْقِ كَذَا هَاهُنَا فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى الْعِتْقِ مِنْ جِهَةِ الْغَيْرِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مِلْكِ ذَلِكَ الْغَيْرِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ) صُورَتُهُ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرٍ كَذَا مِنْ سَنَةٍ كَذَا وَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَاهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى وَتَوَجَّهَ الْحُكْمُ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ادَّعَيْتَ تَلَقِّ الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ أَقَرَّ قَبْلَ تَارِيخِ شِرَائِكَ بِسَنَةٍ طَائِعًا أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ أَخِيهِ فُلَانٍ وَحَقُّهُ وَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فُلَانٌ فِي ذَلِكَ وَأَنَا اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْعَيْنَ مِنْ أَخِيهِ ذَلِكَ الْمُقَرِّ لَهُ فَدَعْوَاكَ عَلَيَّ بَاطِلَةٌ بِهَذَا السَّبَبِ فَاتَّفَقَتْ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ أَنَّ هَذَا الدَّفْعَ صَحِيحٌ، ثُمَّ اسْتَفْتَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ الدَّفْعُ لَوْ طُلِبَ مِنْ مُدَّعِي الدَّفْعِ بَيَانٌ وُقِّتَ ذَلِكَ الْإِقْرَارُ أَنَّهُ مَتَى كَانَ، وَفِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ؛ فَالْقَاضِي، هَلْ يُكَلِّفُهُ عَلَيْهِ فَاتَّفَقَتْ الْأَجْوِبَةُ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُكَلِّفُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ مَرَّةً بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ حَيْثُ قَالَ قَبْلَ تَارِيخِ شِرَائِكَ أَوْ قَالَ قَبْلَ شِرَائِك..
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْمِيرَاثِ) صُورَتُهُ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانَةُ كُلُّهُمْ أَوْلَادُ فُلَانٍ فَادَّعَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَضَرُوا مَحْدُودًا عَلَى رَجُلٍ أَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ مِيرَاثًا عَنْ وَالِدَتِهِمْ فُلَانَةَ وَكَانَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَحْضَرِ وَكَانَ هَذَا الْمَحْدُودُ مِلْكَ فُلَانَةَ وَالِدَةِ هَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ وَحَقَّهَا (ودردست وى بود تا بروز مرك وى بمرد وميراث ماند فرزندان خويش را) فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ الْمَكْتُوبَ فِيهِ وَالِدَةُ هَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ وَالِدَةُ هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْمَكْتُوبَ فِيهِ (مرد وميراث ماند فر زندان خويش را)، وَلَيْسَ فِيهِ (جه جيز مِيرَاث ماندفر زندان را) وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ (وميراث مانداين محدود فرزندان را) أَوْ يُكْتَبَ.
(مِيرَاث ماندش) حَتَّى يَصِيرَ الْمَتْرُوكُ مَذْكُورًا إمَّا بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالْكِنَايَةِ أَمَّا بِدُونِ ذِكْرِهِ لَا بِالصَّرِيحِ وَلَا بِالْكِنَايَةِ لَا يَتِمُّ جَرُّ الْمِيرَاثِ فِيمَا تَقَعُ فِيهِ الدَّعْوَى وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ نَجْمِ الدِّينِ عُمَرَ النَّسَفِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ كَتَبْتُ الْفَتْوَى فِي جَرِّ الْمِيرَاثِ وَبَالَغْتُ فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ غَيْرَ أَنِّي تَرَكْتُ الْهَاءَ عِنْدَ قَوْلِي وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا وَكَتَبْتُ، وَتَرَكَ مِيرَاثًا فَلَمْ يُفْتِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ عَطَاءِ بْنِ حَمْزَةَ السُّغْدِيِّ بِصِحَّتِهِ، وَقَالَ لِي: أَلْحِقْ بِهِ الْهَاءَ وَاجْعَلْهُ وَتَرَكَهُ مِيرَاثًا حَتَّى أَفَتَى بِالصِّحَّةِ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الزَّاهِدُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عُرِضَ عَلَيَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَرْضًا أَنَّهَا مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، وَأَنَّ مُوَرِّثَ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فُلَانٌ أَحْدَثَ يَدَهُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ إلَى أَنْ مَاتَ، وَفِي يَدِ وَارِثِهِ هَذَا أَيْضًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ قَصْرُ يَدِهِ عَنْهَا وَتَسْلِيمُهَا إلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ: إنَّ مُوَرِّثَنَا فُلَانًا كَانَ اشْتَرَى هَذَا الْمَحْدُودَ مِنْ مُوَرِّثِ هَذَا الْمُدَّعِي بَيْعًا بَاتًّا وَجَرَى التَّقَابُضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَكَانَ فِي يَدِهِ بِحَقٍّ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ، ثُمَّ صَارَ مِيرَاثًا عَنْهُ لِي بِحَقٍّ فَقَالَ الْمُدَّعِي فِي دَفْعِ هَذَا الدَّفْعِ: إنَّ مُوَرِّثَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأَرْضَ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ الَّذِي جَرَى بَيْنَنَا بَيْعَ وَفَاءٍ، فَإِذَا رَدَّ عَلَيَّ الثَّمَنَ كَانَ عَلَيَّ رَدُّ الْأَرْضِ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً هَلْ يَصِحُّ دَفْعُ الدَّفْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، قَالَ نَجْمُ الدِّينِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: وَقَدْ كَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ عِمَادُ الدِّينِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِعُلَا بَدْرٍ أَجَابَا بِالصِّحَّةِ وَأَنَا أَجَبْتُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
فَإِذَا أَقَرَّ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِحَقٍّ، وَقِيلَ يَجِبُ أَنْ تَصِحَّ دَعْوَى الدَّفْعِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ لِبَيْعِ الْوَفَاءِ حُكْمَ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ بِهَذَا الدَّفْعِ أَقَرَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَعْضِ مَا أَنْكَرَهُ فِي الِابْتِدَاءِ وَهُوَ كَوْنُ الْمَحْدُودِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لِهَذَا الْبَيْعِ حُكْمُ الرَّهْنِ كَانَ الْمَبِيعُ عَلَى مِلْكِ الْمُدَّعِي إلَّا أَنَّ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقَّ الْحَبْسِ، وَقَدْ ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكَ الْمَحْدُودِ لِنَفْسِهِ وَكَوْنَهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِذَا أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ فَقَدْ ادَّعَى مِلْكَ الْمَحْدُودِ لِنَفْسِهِ وَأَقَرَّ أَنَّ يَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَقٍّ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِنَا أَقَرَّ لَهُ بِبَعْضِ مَا أَنْكَرَهُ لَهُ أَوَّلًا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَفَاءُ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ الْوَفَاءُ مَشْرُوطًا فِي الْبَيْعِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا، فَإِنْ ادَّعَى فَسْخَ الْعَقْدِ صَحَّ دَعْوَى الدَّفْعِ وَمَا لَا فَلَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(مَحْضَرٌ عُرِضَ عَلَى نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ)، وَفِيهِ دَفْعُ دَعْوَى رَجُلٍ أَثْبَتَ اسْتِحْقَاقَ كَرْمٍ عَلَى رَجُلٍ فَطَالَبَهُ بِغَلَّاتِهَا وَبَيَّنَ ذَلِكَ فَادَّعَى الْمُدَّعِي فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ صَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى بَدَلٍ مَعْلُومٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِقْدَارَ الْبَدَلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْضَهُ، هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَفْعًا؟ قَالَ: لَا يَكُونُ دَفْعًا، وَإِنْ ذَكَرَ الْقَبْضَ فَهُوَ دَفْعٌ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْبَدَلِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ بَيَانِ مِقْدَارِ الْبَدَلِ فِيمَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبْضِ لَا يَضُرُّ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْكَرْمِ لَا غَيْرُ، وَكَانَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا إلَّا أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى قَبْضِهِ كَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا وَكَانَ دَعْوَاهُ دَفْعًا صَحِيحًا، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَنْ الْكَرْمِ وَعَنْ الْغَلَّاتِ الَّتِي اسْتَهْلَكَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَدَلٍ خِلَافِ جِنْسِ الْوَاجِبِ بِاسْتِهْلَاكِ الْغَلَّةِ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ فِي حَقِّ الْغَلَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ مَعْلُومًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَلَا يَكُونُ هَذَا دَفْعًا فِي حَقِّ الْغَلَّةِ، كَذَا فِي فُصُولِ الأستروشني.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الدَّفْعِ مِنْ الْوَارِثِ لِدَعْوَى أَرْضٍ مِنْ التَّرِكَةِ) وَصُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى أَرْضًا مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ عَلَى وَارِثٍ، فَقَالَ الْوَارِثُ لِلْمُدَّعِي فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ: إنَّكَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّكَ قَدْ قُلْتُ لِي مَرَّةً.
(تواز بدر مِيرَاث بافته يَا ميكويد) قُلْتَ لِي مَرَّةً (سبس بدر مَال بِسَيَّارِ كرفته مِنْ كفتم كدام مَال كرفته أُمّ كدام مَال مِيرَاث يَا فته أُمّ تو كفتى فُلَان زمين إين ازتو إقْرَار است بملك مِنْ دعوى تو باطل است) هَلْ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ مِنْهُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَفْعًا لِدَعْوَاهُ وَكَانَ فِيهِ جَوَابُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيّ أَنَّ فِي قَوْلِهِ (مِيرَاث يَا فته) يَكُونُ دَفْعًا؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَفِي قَوْلِهِ (كرفته) لَا يَكُونُ دَفْعًا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِالْمِلْكِ لَهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ آخَرُ) كَانَ فِيهِ ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَنَّ الْكَرْمَ الَّذِي فِي مَوْضِعِ كَذَا حُدُودُهُ كَذَا وَهُوَ فِي يَدِ أُمِّ هَذَا الْمُدَّعِي أَقَرَّتْ أُمُّ هَذَا الْمُدَّعِي أَنَّهُ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعِي وَبَعْدَ هَذَا الْإِقْرَارِ اشْتَرَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الْكَرْمَ مِنْ أُمِّ هَذَا الْمُدَّعِي فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ هَذَا الْكَرْمِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي وَكَانَ فِيهِ جَوَابُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ سَمَرْقَنْدَ بِالصِّحَّةِ وَأَفْتَى الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ بِفَسَادِهِ، وَقَالَ: وُجُوهُ الْخَلَلِ ظَاهِرَةٌ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ وُجُوهِ الْخَلَلِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَدَّعِ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّ أُمَّهُ أَقَرَّتْ لَهُ بِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ نَسَبَ مِلْكَهُ إلَى مَا لَا يَصْلُحُ سَبَبَ الْمِلْكِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ حَتَّى لَوْ نَسَبَهُ إلَى مَا يَصْلُحُ سَبَبَ الْمِلْكِ بِأَنْ قَالَ هَذَا الْكَرْمُ مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ أُمِّي فُلَانَةَ قَبْلَ شِرَاءِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَصِحُّ دَعْوَاهُ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْإِرْثِ مَعَ دَعْوَى الْعِتْقِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ عَبْدًا أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ ابْنِ عَمِّي فُلَانٍ مَاتَ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ وَأَنَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرِي وَصَارَ هَذَا الْعَبْدُ مِيرَاثًا لِي مِنْ جِهَتِهِ وَهُوَ يَمْتَنِعُ عَنْ طَاعَتِي فَادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ أَنَّ مُوَرِّثَهُ هَذَا أَعْتَقَنِي فِي مَرَضِهِ وَأَنَا أَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَنَا الْيَوْمَ حُرٌّ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيَّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَادَّعَى هَذَا الْمُدَّعِي ثَانِيًا أَنِّي كُنْتُ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ ابْنِ عَمِّي هَذَا فِي صِحَّتِهِ وَكَانَ فِيهِ جَوَابُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ ثَانِيًا لِمَكَانِ التَّنَاقُضِ وَتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى الْإِرْثَ.
ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ فِي حَيَاةِ الْمُوَرِّثِ مِنْهُ، وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ وَالْعِلَّةُ ظَاهِرَةٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي آخِرِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فِي رَجُلٍ مَاتَ أَبُوهُ فَادَّعَى دَارًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَلَمْ يُزَكِّ بَيِّنَتَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّهَا كَانَتْ دَارَ أَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ لَا يَعْلَمُونَ لَهُ وَارِثًا غَيْرُهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ الْأَبِ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ أَوَّلًا وَبَيْنَ دَعْوَى الْإِرْثِ مِنْهُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ كَمَا ادَّعَيْتُ أَوَّلًا لَكِنْ عَجَزْتُ عَنْ إثْبَاتِ شِرَائِي وَبَقِيَتْ الدَّارُ عَلَى مِلْكِ أَبِي ظَاهِرًا فَصَارَتْ مِيرَاثًا لِي بِمَوْتِهِ فِي الظَّاهِرِ.
وَبِمِثْلِهِ لَوْ ادَّعَى الْإِرْثَ مِنْ الْأَبِ أَوَّلًا، ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَسْمَعُ مِنْهُ دَعْوَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ دَعْوَى الْإِرْثِ أَوَّلًا وَبَيْنَ دَعْوَى الشِّرَاءِ ثَانِيًا تَنَاقُضًا إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: وَرِثْتُ مِنْ أَبِي كَمَا ادَّعَيْتُ أَوَّلًا فَلَمَّا عَجَزْتُ عَنْ إثْبَاتِ الْإِرْثِ اشْتَرَيْتُ مِنْهُ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُشْتَرَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ قَدْ يَصِيرُ مِيرَاثًا بِأَنْ يَنْفَسِخَ الشِّرَاءُ بَيْنَهُمَا.
أَمَّا فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِأَنْ يَجِدَ بِهِ عَيْبًا فَيَرُدَّهُ فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُنَاقَضَةُ لَا مَحَالَةَ، أَمَّا الْمَوْرُوثُ مِنْ الْأَبِ لَا يَصِيرُ مُشْتَرًى مِنْ جِهَتِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُنَاقَضَةُ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْمِيرَاثِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ مَاتَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى مِيرَاثَهُ بِعُصُوبَةِ بُنُوَّةِ الْعَمِّ وَأَقَامَ الشُّهُودَ عَلَى النَّسَبِ بِذِكْرِ الْأَسَامِي إلَى الْجَدِّ، ثُمَّ إنَّ مُنْكِرَ هَذَا النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ جَدَّ الْمَيِّتِ فُلَانٌ وَهُوَ غَيْرُ مَا أَثْبَتَ الْمُدَّعِي، هَلْ يَنْدَفِعُ بِهَذَا دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتُهُ وَكَانَ فِيهِ جَوَابُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ إنْ وَقَعَ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لَا تَنْدَفِعُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ الْقَضَاءُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ لِمَكَانِ التَّعَارُضِ، قَالَ وَهَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَةِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالْكُوفَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَعَتَاقِ الْعَبْدِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْدَفِعَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، وَلَا تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ إمَّا أَنْ تُقْبَلَ عَلَى إثْبَاتِ اسْمِ الْجَدِّ، وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ فِي ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ تُقْبَلَ لِنَفْيِ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي.
وَلَا وَجْهَ إلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى النَّفْيِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي يَوْمِ كَذَا، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَانَ فِي مَكَانِ كَذَا سَمَّى مَكَانًا آخَرَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى النَّفْيِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى دُوَيْرَةٍ وسرايجه) وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِلَفْظَةِ (خانه) وَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ دَعْوَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَتْ فِي السرايجة وَالشُّهُودُ شَهِدُوا (بخانه) والسرايجه غَيْرُ وَالْبَيْتُ غَيْرُ، وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالْعَرَبِيَّةِ وَالشَّهَادَةُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى بِالْفَارِسِيَّةِ وَالشَّهَادَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّ اسْمَ (خانه) بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْطَلِقُ عَلَى (سرايجه) بِالْفَارِسِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ بِالْعَرَبِيَّةِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى بَيْعِ السُّكْنَى) عُرِضَ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ السُّغْدِيِّ مَحْضَرٌ وَكَانَ فِيهِ بَاعَهُ بِحُدُودِهِ وَحُقُوقِهِ فَرَدَّهُ بِعِلَّةِ أَنَّ السُّكْنَى نَقْلِيٌّ وَالنَّقْلِيُّ لَا حَدَّ لَهُ.
(عُرِضَ عَلَيْهِ مَحْضَرٌ آخَرُ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اسْمُ جَدِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) صُورَتُهُ حَضَرَ فُلَانٌ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا فَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا، وَفِي الْحَاضِرِ الْإِشَارَةُ تَكْفِي، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ جَدِّهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَأَمَّا فِي الْغَائِبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى-، وَكَذَلِكَ فِي ذِكْرِ الْحُدُودِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ جَدِّ صَاحِبِ الْحُدُودِ، وَكَذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَشْتَرِطُ ذِكْرَ الْجَدِّ، وَفِي آخِرِ عُمُرِهِ كَانَ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الشُّفْعَةِ) وَكَانَ فِيهِ بَيَانُ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الثَّلَاثَةِ فَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ أَنَّ الشَّفِيعَ طَلَبَ الْإِشْهَادَ عَلَى فَوْرِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِشْهَادِ، وَأَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى هَذَا الْمَحْدُودِ، وَالْمَحْدُودُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ هُوَ الْإِشْهَادُ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْمَحْدُودِ وَالْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّ مُدَّةَ طَلَبِ الْإِشْهَادِ مُقَدَّرَةٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الْإِشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ أَحَدِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ، إمَّا الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَحْدُودُ وَالطَّلَبُ مِنْ الْمُشْتَرِي صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَبَضَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ، وَالطَّلَبُ مِنْ الْبَائِعِ صَحِيحٌ إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ فِي يَدِهِ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الطَّلَبَ صَحِيحٌ اسْتِحْسَانًا غَيْرُ صَحِيحٍ قِيَاسًا، وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْقُدُورِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي شَرْحِهِ وَالنَّاطِفِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَجْنَاسِهِ وَعِصَامٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَإِذَا قَصَدَ الْأَبْعَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَرَكَ الْأَقْرَبَ إنْ كَانَ الْكُلُّ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِهِ وَعِصَامٌ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ مَعَ تَبَايُنِ أَطْرَافِهِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ حُكْمًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ إذَا اجْتَازَ عَلَى الْأَقْرَبِ وَتَرَكَ الطَّلَبَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي وَاقِعَاتِهِ، وَإِنْ كَانُوا فِي مِصْرَيْنِ أَوْ فِي أَمْصَارٍ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ الشَّفِيعِ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ فَتَرَكَهُ وَذَهَبَ إلَى الْمِصْرِ الْآخَرِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ فِي مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ وَالدَّارُ كُلُّ وَاحِدٍ فِي مِصْرٍ عَلَى حِدَةٍ فَتَرَكَ الْأَقْرَبَ وَذَهَبَ إلَى الْأَبْعَدِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ عِصَامٌ فِي مُخْتَصَرِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي أَجْنَاسِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الشَّفِيعَ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الذَّهَابِ إلَى الْأَقْرَبِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَلَا يَكُونُ بِالذَّهَابِ إلَى الْأَبْعَدِ مُبْطِلًا لِشُفْعَتِهِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ لِلْأَقْرَبِ طَرِيقَانِ فَتَرَكَ الطَّرِيقَ الْأَقْرَبَ وَذَهَبَ فِي الطَّرِيقِ الْأَبْعَدِ فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ عِصَامٌ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ لَا تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ، ثُمَّ إذَا حَضَرَ الْمِصْرَ الَّذِي فِيهِ الْأَقْرَبُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ الدَّارَ وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ذَلِكَ عَلَى السَّوَاءِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ، وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ الْكَبِيرُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الدَّارِ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَكَانَ يَقُولُ فِي الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ بِحَضْرَتِهِ، وَفِي الدَّارِ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ بِحَضْرَةِ الدَّارِ بَلْ إذَا طَلَبَ وَأَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ فِي أَيِّ مَكَان أَشْهَدَ مِنْ الْمِصْرِ الَّذِي الدَّارُ فِيهِ يَصِحُّ الطَّلَبُ وَكَانَ يَقُولُ إلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي بَابِ شُفْعَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ لَا يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَضْرَةِ الدَّارِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ، وَلَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي مِصْرِ الشَّفِيعِ يُشْتَرَطُ الطَّلَبُ عِنْدَ حَضْرَتِهِ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي الرُّجُوعِ بِثَمَنِ الْأَتَانِ عِنْدَ وُرُودِ الِاسْتِحْقَاقِ) صُورَتُهُ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ بِبُخَارَى رَجُلٌ يُسَمَّى حَيْدَرَ الْحِمْيَرِيَّ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ رَجُلًا يُسَمَّى عُثْمَانَ الْحِمْيَرِيَّ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَضَرَ مَعِي بَاعَ مِنِّي أَتَانًا تَامَّةَ الْجُثَّةِ بِكَذَا دِرْهَمًا فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا وَإِنِّي اشْتَرَيْتُهَا مِنْهُ وَجَرَى التَّقَابُضُ بَيْنَنَا، ثُمَّ أَنِّي بِعْتُ هَذِهِ الْأَتَانَ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ فُلَانٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنِّي بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَجَرَى التَّقَابُضُ بَيْنَنَا، ثُمَّ إنَّ أَحْمَدَ بَاعَ هَذِهِ الْأَتَانَ مِنْ الدِّهْقَانِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ إنَّ زَيْدًا اسْتَحَقَّ تِلْكَ الْأَتَانَ مِنْ يَد الدِّهْقَانِ عَلِيِّ بْنِ فُلَانٍ فِي مَجْلِسِ قَضَاءِ كُورَةِ نَسَفَ بَيْنَ يَدَيْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْقَاضِي مُعِينِ الدِّينِ بْنِ فُلَانٍ وَالْقَاضِي مُعِينُ الدِّينِ هَذَا يَوْمَئِذٍ قَاضِي كُورَةِ نَسَفَ وَنَوَاحِيهَا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الْإِمَامِ عَلَاءِ الدِّينِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ الْمُتَوَلِّي بِعَمَلِ الْقَضَاءِ وَالْأَحْكَامِ بِكُورَةِ سَمَرْقَنْدَ وَبِأَكْثَرَ كُوَرِ الْمَمْلَكَةِ بِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي قَامَتْ عِنْدَهُ وَجَرَى الْحُكْمُ لَهُ مِنْهُ عَلَيْهِ بِهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَسَلَّمَهَا إلَى هَذَا الْمُسْتَحِقِّ، ثُمَّ جَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ سَدِيدِ الدِّينِ طَاهِرٍ نَائِبِ الْحَكَمِ بِبُخَارَى مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي الْإِمَامِ صَدْرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَلِّي بِعَمَلِ الْقَضَاءِ بِكُورَةِ بُخَارَى وَنَوَاحِيهَا لِهَذَا الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَهُوَ الدِّهْقَانُ عَلِيٌّ بِالرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ فُلَانٍ وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ مِنْهُ بِكَمَالِهِ.
ثُمَّ جَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي سَدِيدِ الدِّينِ هَذَا لِأَحْمَدَ بْنِ فُلَانٍ هَذَا بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ وَبِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّى إلَيَّ وَاسْتَرَدَّ مِنِّي الثَّمَنَ بِكَمَالِهِ وَلِي حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرْتُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي أَدَّيْتُهُ إلَيْهِ، وَسَأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ الْمُدَّعِي هَذَا فَأَنْكَرَ، وَقَالَ (مراباين مُدَّعِي هيج دادني نيست) فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شُهُودًا عَلَى دَعْوَاهُ فَاسْتَفْتَى عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى فَقِيلَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى خَلَلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا- أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَقُلْ وَكَانَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ، وَلَا يَصِيرُ مُعِينُ الدِّينِ قَاضِيًا.
وَالثَّانِي- أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ تَارِيخَ تَقْلِيدِ الْقَاضِي مُعِينِ الدِّينِ لِيُنْظَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ عَلَاءَ الدِّينِ هَلْ كَانَ قَاضِيًا وَقْتَ تَقْلِيدِ الْقَاضِي مُعِينِ الدِّينِ لِيُنْظَرَ أَنَّهُ هَلْ صَارَ قَاضِيًا بِتَقْلِيدِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ هَلْ كَانَ لِقَاضِي سَمَرْقَنْدَ وِلَايَةٌ عَلَى نَسَفَ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ بِأَكْثَرَ كُوَرِ الْمَمْلَكَةِ بِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَبِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ كُوَرٌ كَثِيرَةٌ فَبِهَذَا لَا يَصِيرُ نَسَفُ مَذْكُورًا، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ مُعِينَ الدِّينِ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمَا لَمْ تَكُنْ الْبَيِّنَةُ وَالْحُكْمُ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ، وَلِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْقَاضِيَ مُعِينَ الدِّينِ حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي قَامَتْ بِهَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا مِلْكُ الْمُسْتَحِقِّ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ أَوْ قَامَتْ عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَحِقِّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الرُّجُوعِ وَالْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ، ثُمَّ قَالَ: وَجَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي الْإِمَام سَدِيدِ الدِّينِ نَائِبِ الْحَكَمِ بِبُخَارَى لِهَذَا الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ بِالرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ كَانَ ثَابِتًا عِنْدَ الْقَاضِي سَدِيدِ الدِّينِ وَالْقَاضِي سَدِيدُ الدِّينِ حَكَمَ بِفَسْخِ ذَلِكَ الْبَيْعِ.
وَهَذَا يُوجِبُ خَلَلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ، إنَّمَا يَصِحُّ إذَا ثَبَتَ الْبَيْعُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَكَمَ بِفَسْخِ الْبَيْعِ، ثُمَّ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ حَكَمَ الْقَاضِي بِالرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ أَوْ لَمْ يَحْكُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ صَدْرَ الدِّينِ هَلْ كَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي الثَّمَنَ (ودر دعوى نميكويد كه مِثْل أَيْنَ سيمها رائج است رد شَهْر واكران سيمها نيابد در شَهْر يَا بيابد لكن رائج نباشد بايد كه قِيمَتْ دعوى كندو بكويد كه بروى وَاجِب است كه قُيِّمْتُ آن سيم كه امروز دادني است بِمِنْ دهدفا مَا دعوى ثَمَن دَرَسْتُ نيابد) وَحُكِيَ أَنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ اللَّامِشِيَّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حِينَ قُلِّدَ قَضَاءَ سَمَرْقَنْدَ كَانَ لَا يَعْمَلُ بِسِجِلِّ مَنْ كَانَ قَاضِيًا قِبَلَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إنَّهُ كَتَبَ فِي سِجِلَّاتِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ قَاضِي الْقُضَاةِ بِسَمَرْقَنْدَ وَبِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَقَاضِي سَمَرْقَنْدَ لَيْسَ قَاضِي بُخَارَى فَكَانَ هَذَا كَذِبًا مَحْضًا وَالْكَاذِبُ كَيْفَ يَكُونُ قَاضِيًا وَبَعْضُ مَشَايِخِ ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانُوا يُجِيبُونَ عَنْ هَذَا وَيَقُولُونَ أَنَّ قَاضِيَ سَمَرْقَنْدَ قَاضِي أَكْثَرَ كُوَرِ الْمَمْلَكَةِ بِمَا وَرَاءِ النَّهْرِ وَلِلْأَكْثَرِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ فَجَازَ أَنْ يُقَالَ قَاضِي مَا وَرَاءِ النَّهْرِ.
(مَحْضَرٌ عُرِضَ عَلَى نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ فِي بَيْعِ سَهْمٍ وَاحِدٍ شَائِعٍ بِحُدُودِ هَذَا السَّهْمِ) قَالَ: كَانَ مَشَايِخُنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بِسَمَرْقَنْدَ يَقُولُونَ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ الْإِفْرَازَ وَالْمُفْرَزُ يَكُونُ لَهُ الْحُدُودُ وَأَمَّا الْمُشَاعُ فَلَا، قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي شُرُوطِهِ فِي مَوَاضِعَ اشْتَرَى مِنْهُ النِّصْفَ مِنْ دَارٍ بِحُدُودِ هَذَا النِّصْفِ قَالَ: وَسَمِعْتُ السَّيِّدَ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي شُجَاعٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَقُولُ: لَا أَحْفَظُ عَنْ وَالِدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْئًا، وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَصْحَابِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فَاسْتَحْسَنَهُ وَأَخَذَ بِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الْحُدُودِ لَيْسَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِفْرَازِ، أَلَا يَرَى أَنَّ ذِكْرَ السَّهْمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِفْرَازِ فَذِكْرُ حُدُودِهِ كَذَلِكَ يَكُونُ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ) وَكَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ أَوَّلَ يَوْمٍ هَذِهِ الْإِجَارَةُ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ السَّادِسِ مِنْ شَهْرِ كَذَا وَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَتَقَابَضَا فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فَقِيلَ قَوْلُهُ فِي التَّارِيخِ الْمَذْكُورِ فِيهِ خَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ التَّقَابُضَ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ مَعَ الْعَقْدِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ؛ لِأَنَّ التَّقَابُضَ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْعَقْدِ مَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَتَقَابَضَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْعَقْدُ أَوْ كَتَبَ وَتَقَابَضَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَدْ بَاشَرَ الْعَقْدَ فِيهِ لِيَثْبُتَ التَّقَابُضُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْتُبُ وَتَقَابَضَا بَعْدَمَا بَاشَرَا الْعَقْدَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي بَاشَرَا الْعَقْدَ فِيهِ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى مَالِ الْإِجَارَةِ الْمَفْسُوخَةِ) صُورَتُهُ ادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَنَّ وَالِدَ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ فُلَانٌ آجَرَ مِنِّي مَحْدُودًا كَذَا بِكَذَا إجَارَةً طَوِيلَةً مَرْسُومَةً، ثُمَّ مَاتَ وَانْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَصَارَتْ بَقِيَّةُ مَالِ الْإِجَارَةِ دَيْنًا لِي فِي تَرِكَتِهِ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَحْضَرِ ذِكْرُ قَبْضِ مَالِ الْإِجَارَةِ وَمَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُؤَجِّرُ مَالَ الْإِجَارَةِ لَا يَصِيرُ شَيْءٌ مِنْهُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ بِمَوْتِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدَّعْوَى تَارِيخَ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَتَارِيخَ آخِرِهَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ حَتَّى يُنْظَرَ أَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْإِجَارَةِ أَمْ لَا، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى-: يَنْبَغِي أَنْ يُصَرِّحَ بِقَبْضِ مَالِ الْإِجَارَةِ وَلَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ تَقَابَضَا قَبْضًا صَحِيحًا فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَوْ أَحْضَرَ مَالَ الْإِجَارَةِ، وَلَمْ يَدْفَعْ إلَى الْمُؤَجِّرِ، وَقَبَضَ الْمُسْتَأْجِرُ، ثُمَّ سَلَّمَ الْمُسْتَأْجَرَ إلَى الْمُؤَجِّرِ، وَلَمْ يُسَلِّمْ مَالَ الْإِجَارَةِ يَكُونُ قَوْلُهُ وَتَقَابَضَا مُسْتَقِيمًا عَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ قَبْضُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- زَيَّفُوا هَذَا الْقَوْلَ، وَقَالُوا: الْمُعْتَبَرُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ مَفْهُومُ النَّاسِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ وَتَقَابَضَا قَبْضُ الْمُؤَجِّرِ الْأُجْرَةَ وَقَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُسْتَأْجَرَ.
وَقَدْ قِيلَ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ فِي صَكِّ الْإِجَارَةِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ الْمُسْتَأْجِرُ مَا بَدَا لَهُ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ عَلَى كَلِمَةُ شَرْطٍ، وَزِرَاعَةُ الْمُسْتَأْجِرِ بِنَفْسِهِ لَيْسَتْ مِنْ قَضَايَا الْعَقْدِ فَقَدْ شُرِطَ فِي ذَلِكَ الْعَقْدِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلَكِنْ يَكْتُبُ لِيَزْرَعَ مَا يَبْدُو لَهُ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَرْجِعُ إلَى بَيَانِ غَرَضِ الْمُسْتَأْجِرِ لَا إلَى الشَّرْطِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدِي فِي غَايَةِ الزِّيَافَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي الْأَصْلِ شُرِعَتْ لِحَاجَةِ الْمُسْتَأْجِرِ إلَى الِانْتِفَاعِ فَكَانَ انْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِنَفْسِهِ مِنْ قَضَايَا عَقْدِ الْإِجَارَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ انْتِفَاعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِنَفْسِهِ مِنْ قَضَايَا الْعَقْدِ إلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، إنَّمَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ، وَلَا مَضَرَّةٌ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَأْكُلَهُ وَهَا هُنَا لَا مَنْفَعَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي هَذَا الشَّرْطِ، وَلَا مَضَرَّةَ فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهَا جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْإِجَارَةِ وَدَعْوَى إحْدَاثِ الْمُؤَجِّرِ يَدَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ) ادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرْتُهُ مَعِي آجَرَ مِنِّي عَشْرَ دَيِّرَاتِ أَرْضٍ حُدُودُهَا كَذَا فِي ضَيْعَةِ كَذَا وَسَلَّمَهَا إلَيَّ، ثَمَّ إنَّهُ أَحْدَثَ يَدَهُ عَلَى هَذِهِ الْأَرَاضِي بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ قَصْرَ يَدِهِ عَنْ هَذِهِ الْأَرَاضِي وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ وَتَسْلِيمُهَا إلَيَّ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ آجَرَنِي هَذِهِ الْأَرَاضِيَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا، وَهَذَا الْأَمْرُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ مَلَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ آجَرَ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ وَهِيَ فِي يَدِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ؛ لِأَنَّ الْأَرَاضِيَ رُبَّمَا تَكُونُ مُشْتَرَاةً وَإِجَارَةُ الْأَرَاضِي الْمُشْتَرَاةِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا تَصِحُّ.
أَمَّا عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي فِي بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَوْ عَلَى الْوِفَاقِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرَاضِيَ صَالِحَةٌ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْأَرَاضِي صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ اسْتِئْجَارًا صَحِيحًا لِجَوَازِ أَنْ لَا تَكُونَ الْأَرْضُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَكِنْ تَكُونُ بِحَالٍ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ فَيَظُنُّ أَنَّ كَوْنَ الْأَرْضِ بِحَالٍ تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ بِعَمَلِ الْمُسْتَأْجِرِ يَكْفِي لِصِحَّةِ الْعَقْدِ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى بَقِيَّةِ مَالِ الْإِجَارَةِ الْمَفْسُوخَةِ) حَضَرَ وَأَحْضَرَ، وَهَذَا الَّذِي حَضَرَ وَكِيلٌ عَنْ أُخْتِهِ الْكَبِيرَةِ الْمُسَمَّاةِ فُلَانَةَ بِالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ فِيهِ وَقَيِّمٌ عَنْ أُخْتِهِ الصَّغِيرَةِ الْمُسَمَّاةِ فُلَانَةَ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ بِالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَهُمْ أَوْلَادُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ لِنَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَلِلْأُخْتِ الْكَبِيرَةِ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَلِلْأُخْتِ الصَّغِيرَةِ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ آجَرَ مِنْ أَبِينَا فُلَانٍ جَمِيعَ الْأَرْضِ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا بِكَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ إجَارَةً طَوِيلَةً مَرْسُومَةً، وَإِنَّ أَبَانَا تُوُفِّيَ قَبْلَ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ هَذِهِ وَقَبْلَ قَبْضِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْإِجَارَةِ وَانْفَسَخَتْ هَذِهِ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ، وَصَارَ مَالُ الْإِجَارَةِ، وَذَلِكَ كَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ هَؤُلَاءِ الْمُسَمَّيْنَ مَا خَلَا دِينَارًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُهُ بِمُضِيِّ مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ وَالْبَعْضُ بِإِبْرَاءِ أَبِينَا عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ، وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ الدَّنَانِيرِ الْمَذْكُورَةِ مَا خَلَا دِينَارًا وَاحِدًا لِيَقْبِضَ الْمُدَّعِي حِصَّةَ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةَ أُخْتِهِ الْكَبِيرَةِ فُلَانَةَ بِالْوَكَالَةِ وَحِصَّةَ أُخْتِهِ الصَّغِيرَةِ فُلَانَةَ بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ أَنَّ مَالَ الْإِجَارَةِ صَارَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ مَا خَلَا دِينَارًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُهُ بِإِبْرَاءِ أَبِينَا الْمُؤَجِّرِ هَذَا عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ وَدَعْوَى الْإِبْرَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ بَعْدَ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَحَالَ حَيَاةِ الْمُسْتَأْجِرِ مَالُ الْإِجَارَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الْمُؤَجِّرِ إذَا كَانَتْ الْإِجَارَةُ قَائِمَةً، وَلَمْ تَنْفَسِخْ بَعْدُ.
وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِهِ انْفِسَاخُ الْإِجَارَةِ وَالْإِجَارَةُ لَمْ تَنْفَسِخْ بَعْدُ وَعِلَّةٌ أُخْرَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الدَّعْوَى فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الْإِجَارَةِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي لِيَقْبِضَ حِصَّةَ نَفْسِهِ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَحِصَّةَ أُخْتِهِ الْكَبِيرَةِ بِالْوَكَالَةِ، وَالْوَكِيلُ بِالْخُصُومَةِ لَا يَمْلِكُ الْقَبْضَ عِنْدَ زُفَرَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَا تَصِحُّ مُطَالَبَتُهُ بِحِصَّةِ الْمُوَكِّلَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالْعِلَّةُ الْأُولَى لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ إنْ لَمْ يَصِحَّ فَذَلِكَ أَمْرٌ لَزِمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ خَلَلًا فِي دَعْوَى بَقِيَّةِ مَالِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَزِمَ لَهُمْ (مَحْضَرٌ فِي دَفْعِ دَعْوَى مَالِ الْإِجَارَةِ الْمَفْسُوخَةِ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُسْتَأْجِرِ) وَكَانَ الدَّعْوَى بِشَرَائِطِهَا مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فِيهَا، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي دَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي: إنَّ أَبَاكَ قَدْ قَبَضَ مِنِّي فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَذَا مَنًّا مِنْ الْحِنْطَةِ عِوَضًا عَنْ مَالِ الْإِجَارَةِ الَّتِي تَدَّعِيهِ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّ دَفْعَ الْحِنْطَةِ عِوَضًا عَنْ مَالِ الْإِجَارَةِ يَسْتَدْعِي وُجُوبَ مَالِ الْإِجَارَةِ، وَمَالُ الْإِجَارَةِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ حَالَ حَيَاةِ الْمُؤَجِّرِ إذْ الْإِجَارَةُ حَالَ حَيَاةِ الْمُؤَجِّرِ قَائِمَةٌ عَلَى حَالِهَا وَمَالُ الْإِجَارَةِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَبْضُ الْمُسْتَأْجِرِ الْحِنْطَةَ عِوَضًا عَنْ مَالِ الْإِجَارَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، وَعِلَّةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ دَفَعَ الْحِنْطَةَ عِوَضًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَنَّ أَبَاكَ قَبَضَ الْحِنْطَةَ عِوَضًا وَبِقَبْضِهِ الْحِنْطَةَ عِوَضًا لَا تَصِيرُ الْحِنْطَةُ عِوَضًا مَا لَمْ يُوجَدْ الدَّفْعُ مِنْ صَاحِبِ الْحِنْطَةِ بِجِهَةِ الْعِوَضِ.
(عُرِضَ صَكٌّ فِي الْإِجَارَةِ) وَكَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ آجَرَ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ أَرْضًا حُدُودُهَا كَذَا، وَهِيَ صَالِحَةٌ لِلزِّرَاعَةِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ الْمُسْتَأْجِرُ فِيهَا كَذَا، فَقِيلَ: الصَّكُّ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ مَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ زِرَاعَةَ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ وَلِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ وَهُوَ الْمُؤَجِّرُ فِيهَا مَنْفَعَةٌ وَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ، وَقِيلَ بِهَذَا لَا يَبْطُلُ الصَّكُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَ فِيهَا كَذَا، وَقَوْلُهُ: لِيَزْرَعَ فِيهَا كَذَا سَوَاءٌ، وَقَوْلُهُ: لِيَزْرَعَ فِيهَا كَذَا، لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ الْغَرَضِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مَا يَزْرَعُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِذَا كَانَ تَرْكُ ذِكْرِ مَا يُزْرَعُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَبِذِكْرِهِ كَيْفَ يَفْسُدُ الْعَقْدُ.
(مَحْضَرٌ فِي تَعْرِيفِ الْمَمْلُوكِ) سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- عَنْ مَحْضَرٍ كَانَ فِي أَوَّلِهِ روزبه بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهِنْدِيُّ ادَّعَى عَلَى فُلَانٍ فَأَجَابَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ النِّسْبَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَقَعُ بِهَا الْإِعْلَامُ وَيَجِبُ أَنْ يَكْتُبَ أَنَّهُ عَبْدُ فُلَانٍ أَوْ مَوْلَى فُلَانٍ وَكَانَ الْمَكْتُوبُ فِي الْمَحْضَرِ وَالْمَدْيُونُ فُلَانٌ أَقَرَّ لَهُ بِذَلِكَ طَائِعًا، قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ أَنَّ روزبه بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حُرٌّ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ لَهُ وَالْمَالُ لَهُ أَوْ عَبْدٌ لِمَوْلَاهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ لِمَوْلَاهُ وَالْمَالُ لِمَوْلَاهُ أَوْ مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ فَيَكُونُ الْإِقْرَارُ لَهُ وَمِلْكُ الْمَالِ لِمَوْلَاهُ وَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، قَالَ: وَالْمُعْتَقُ يُعَرَّفُ لِمَوْلَاهُ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ مُعْتَقًا أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مَوْلًى لِفُلَانٍ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى الثَّالِثُ مُعْتَقًا أَيْضًا فَلَمْ يَنْسُبْهُ إلَى مَوْلَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى الثَّالِثَ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ فَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ.
(عُرِضَ سِجِلٌّ فِيهِ حُكْمُ نَائِبِ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ) فَرُدَّ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا- أَنَّهُ كَانَ فِيهِ حُكْمُ فُلَانٍ وَهُوَ نَائِبٌ عَنْ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ قَاضِيَ سَمَرْقَنْدَ مَأْذُونٌ بِالِاسْتِخْلَافِ.
وَالثَّانِي- أَنَّهُ كَانَ فِيهِ وَقَاضِي سَمَرْقَنْدَ كَانَ قَاضِيًا مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ سَنْجَرَ، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْخَاقَانِ مُحَمَّدٍ وَالْخَاقَانُ مُحَمَّدٌ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ سَنْجَرَ إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يُصْلِحُ خَلَلًا؛ لِأَنَّ قَاضِيَ سَمَرْقَنْدَ لَمَّا كَانَ قَاضِيًا مِنْ قِبَلِ الْخَاقَانِ مُحَمَّدٍ وَالْخَاقَانُ مُحَمَّدٌ كَانَ نَائِبًا مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ سَنْجَرَ كَانَ قَاضِي سَمَرْقَنْدَ قَاضِيًا مِنْ قِبَلِ الْمَلِكِ سَنْجَرَ، أَلَا يُرَى أَنَّ وِلَايَةَ الْمَلِكِ سَنْجَرَ كَانَتْ ظَاهِرَةً عَلَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِي الِابْتِدَاءِ.
وَالثَّالِثُ- أَنَّ الشُّهُودَ فِي شَهَادَتِهِمْ قَالُوا مَا وَقَعَ فِيهِ الدَّعْوَى (مُلْك أَيْنَ مد عيسنت واندر ردست أَيْنَ مُدَّعَى عَلَيْهِ بنا حَقّ است)، وَلَمْ يَقُولُوا فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (كه نُسْتُ خويش كوتاه كندازين مُدَّعَى بِهِ وَبَايَنَ مُدَّعَى تَسْلِيم كند)، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِي هَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ وَنَحْنُ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِهِ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهِ لِأَحَدٍ مَجَالُ الطَّعْنِ.
وَالرَّابِعُ- أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِهِ وَجَعَلْتُ حُكْمِي هَذَا مَوْقُوفًا عَلَى إمْضَاءِ الْقَاضِي فُلَانٍ وَهُوَ الَّذِي كَانَ وَلَّاهُ، وَهَذَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّيْءِ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ غَيْرُ ثَابِتٍ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ خَلَلٌ قَوِيٌّ لَوْ حَصَلَ الْحُكْمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، أَمَّا لَوْ حَصَلَ مُطْلَقًا وَالْكَاتِبُ كَتَبَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهَذَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْحُكْمِ، إنَّمَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْمَكْتُوبِ، كَذَا فِي فُصُولِ الأستروشني.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى إجَارَةَ الْعَبْدِ) صُورَتُهُ ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ عَبْدًا فِي يَدِهِ أَنِّي آجَرْتُ الْعَبْدَ مِنْ هَذَا الَّذِي فِي يَدِهِ كُلُّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ، وَقَدْ مَضَى كَذَا وَكَذَا يَوْمًا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ هَذَا الْعَبْدِ إلَيَّ مَعَ كَذَا مِنْ الْأُجْرَةِ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِعِلَّةِ أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهُ آجَرَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْإِجَارَةِ مُدَّةً تَنْتَهِي إلَيْهَا فَكُلُّ يَوْمٍ يَجِيءُ يَنْعَقِدُ فِيهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الدَّعْوَى قَدْ انْعَقَدَ فِيهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَكَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ إمْسَاكُ الْعَبْدِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ فَكَيْفَ تَصِحُّ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعِي إيَّاهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ ذَكَرَ لِذَلِكَ مُدَّةً، وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الدَّعْوَى مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْيَوْمَ إذَا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَانَ دَاخِلًا فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ إمْسَاكِ الْعَبْدِ عِنْدَ نَفْسِهِ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ ادَّعَى كَذَا وَكَذَا مِنْ الْأَجْرِ وَكَانَ فِي مَحْضَرِ الدَّعْوَى أَجْرُ الْعَبْدِ وَبَعْدَ ذِكْرِ كَلِمَاتٍ كَثِيرَةٍ ذَكَرَ وَسَلَّمَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَسَلَّمَ الْعَبْدَ إلَيْهِ وَبِهَذَا لَا يَثْبُتُ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ لِجَوَازِ أَنَّهُ سَلَّمَ شَيْئًا آخَرَ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ لَا يَجِبُ أَجْرُهُ فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى تَسْلِيمِ الْأَجْرِ.
(خَطُّ الصُّلْحِ وَالْإِبْرَاءِ) عُرِضَ خَطُّ صُلْحٍ وَإِبْرَاءٍ وَكَانَ فِيهِ ادَّعَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَالًا مَعْلُومًا فَصَالَحَهُ فُلَانٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَقَبَضَ فُلَانٌ بَدَلَ صُلْحٍ، وَذَكَرَ فِي آخِرِهِ وَأَبْرَأَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ جَمِيعِ دَعَاوِيهِ وَخُصُومَاتِهِ إبْرَاءً صَحِيحًا عَامًّا قِيلَ الصُّلْحُ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَيْسَ فِيهِ مِقْدَارُ الْمَالِ الْمُدَّعَى.
وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ وَقَعَ مُعَاوَضَةً أَوْ وَقَعَ إسْقَاطًا وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ وَقَعَ صَرْفًا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَا يُشْتَرَطُ، وَقَدْ ذُكِرَ قَبْضُ بَدَلِ الصُّلْحِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَجْلِسِ الصُّلْحِ فَمَعَ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ، أَمَّا الْإِبْرَاءُ حَصَلَ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِمَكَانِ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ لَا لِمَكَانِ الصُّلْحِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى مَالِ الْمُضَارَبَةِ عَلَى مَيِّتٍ بِحَضْرَةِ وَرَثَتِهِ) صُورَتُهُ حَضَرَ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا، كُلُّهُمْ أَوْلَادُ فُلَانٍ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْضَرَهُمْ مَعَ نَفْسِهِ أَنَّهُ دَفَعَ إلَى مُوَرِّثِهِمْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُضَارَبَةً، وَأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهَا وَرَبِحَ أَرْبَاحًا، وَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ قِسْمَةِ هَذَا الْمَالِ وَقَبْلَ دَفْعِ رَأْسِ الْمَالِ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَقَبْلَ قِسْمَةِ الرِّبْحِ مُجَهِّلًا لِهَذَا الْمَالِ، وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ إلَى آخِرِهِ فَقِيلَ: إنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي رَأْسِ الْمَالِ وَالرِّبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ قَدْرِ الرِّبْحِ وَتَرْكُهُ يَصِيرُ خَلَلًا فِي الدَّعْوَى، وَإِنْ ادَّعَى رَأْسَ الْمَالِ وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ بَيَانِ قَدْرِ الرِّبْحِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى قِيمَةِ الْأَعْيَانِ الْمُسْتَهْلَكَةِ) صُورَتُهُ حَضَرَ وَأَحْضَرَ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَلْفَ دِينَارٍ قِيمَةُ عَيْنٍ اسْتَهْلَكَهَا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ بِسَمَرْقَنْدَ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا- أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُسْتَهْلَكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ.
وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَعَلَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مَضْمُونَةٌ بِالْمِثْلِ فَكَيْفَ تَسْتَقِيمُ دَعْوَى الْقِيمَةِ مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ مِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ لَا يَنْقَطِعُ عَنْ الْعَيْنِ بِنَفْسِ الِاسْتِهْلَاكِ وَلِهَذَا جُوِّزَ الصُّلْحُ عَنْ الْمَغْصُوبِ الْمُسْتَهْلَكِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَإِنَّمَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْ الْعَيْنِ وَيَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِتَرَاضِيهِمَا وَقَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ حَقُّهُ فِي الْعَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ قِيمَةُ هَذِهِ الْعَيْنِ الْمُسْتَهْلَكَةِ بِسَمَرْقَنْدَ أَوْ بِبُخَارَى، وَقِيمَةُ الْأَعْيَانِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ، وَالْمُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْمُسْتَهْلَكِ فِي مَكَانِ الِاسْتِهْلَاكِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْحِنْطَةِ) صُورَتُهُ حَضَرَ وَأَحْضَرَ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَنَّ أَخَا هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ فُلَانٌ كَانَ قَبَضَ مِنْ هَذَا الَّذِي حَضَرَ أَلْفَ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ قَبْضًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ وَبَيَّنَ أَوْصَافَ الْحِنْطَةِ، قَالَ: وَهَكَذَا كَانَ أَقَرَّ أَخُو هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ فِي حَالِ جَوَازِ إقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْحِنْطَةِ الْمَوْصُوفَةِ فَإِنَّهُ قَالَ لِهَذَا الَّذِي حَضَرَ بِالْفَارِسِيَّةِ (تراهزار مِنْ كندم أَبِي با كيزه ميانه سرخه تَرَهُ آبِّي بوزن أَهْلِ بُخَارَى بامن است) إقْرَارًا صَحِيحًا صَدَّقَهُ هَذَا الَّذِي حَضَرَ فِيهِ خِطَابًا، وَقَدْ تُوُفِّيَ فُلَانٌ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ مُجَهِّلًا غَيْرَ مُعَيِّنٍ لِهَذِهِ الْحِنْطَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَصَارَتْ هَذِهِ الْحِنْطَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيهِ مَضْمُونَةً لِهَذَا الَّذِي حَضَرَ فِي تَرِكَتِهِ وَخَلَّفَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَخًا لَهُ هَذَا وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَمْوَالًا فِيهَا أَلْفُ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَدَاءُ مِثْلِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْحِنْطَةِ الْمَتْرُوكَةِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَرُدَّ الْمَحْضَرُ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَحَدُهَا- أَنَّهُ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ مَالِهِ قَبْضًا مُوجِبًا لِلرَّدِّ، وَالْقَبْضُ الْمُطْلَقُ خُصُوصًا بِصِفَةِ كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلرَّدِّ يَنْصَرِفُ إلَى الْغَصْبِ، وَكَذَا الْأَخْذُ الْمُطْلَقُ، ثُمَّ قَالَ: وَهَكَذَا إقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَذَا، وَكَذَا عَلَى نَحْوِ مَا كُتِبَ، وَلَيْسَ إقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ قَالَ (ترابا مِنْ است).
وَهَذَا إقْرَارٌ مِنْهُ الْوَدِيعَةِ وَالشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ الْوَدِيعَةِ فَشَهَادَتُهُمْ تَكُونُ الْوَدِيعَةِ فَلَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ.
وَالثَّانِي- أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ الْحِنْطَةَ بِالْمَنِّ وَالْوَزْنِ وَطَلَبَ ضَمَانَهَا وَالْمَضْمُونُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ يَصِيرُ مِلْكًا لِلضَّامِنِ بِالضَّمَانِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْحِنْطَةِ الْمَوْزُونَةِ وَبَيْنَ ضَمَانِهَا وَالْحِنْطَةُ كَيْلِيَّةٌ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهَا بِالْوَزْنِ وَالْمَنِّ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالثَّالِثُ- أَنَّهُ قَالَ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ مِثْلِ هَذِهِ الْحِنْطَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ أَدَاءُ الدَّيْنِ مِنْ عَيْنِ التَّرِكَةِ لَا مَحَالَةَ بَلْ الْوَارِثُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَدَّى الدَّيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ، وَإِنْ شَاءَ أَدَّى الدَّيْنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا شَرْطُ قِيَامِ التَّرِكَةِ فِي يَدِ الْوَارِثِ لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ عَلَيْهِ لَا لِلْأَدَاءِ مِنْهَا، وَالْخَلَلُ الثَّالِثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْوُجُوبِ فِي التَّرِكَةِ إلَّا أَنَّ لِلْوَارِثِ وِلَايَةَ اسْتِخْلَاصِ التَّرِكَةِ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْوُجُوبِ فِي التَّرِكَةِ تَسْتَقِيمُ دَعْوَى الْأَدَاءِ مِنْ التَّرِكَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى قَبْضِ الْعَدْلِيَّاتِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاسْتِهْلَاكِهَا) صُورَتُهُ ادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ قَبَضَ مِنْ هَذَا الَّذِي حَضَرَ دَرَاهِمَ عَدْلِيَّةً وَبَيَّنَ عَدَدَهَا وَصِفَتَهَا وَجِنْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَاسْتَهْلَكَهَا فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ مِثْلِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْعَدْلِيَّةِ إنْ كَانَ يُوجَدُ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهَا وَقِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ كَانَتْ كَذَا وَالْيَوْمَ كَذَا فَظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى نَوْعَ خَلَلٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَبَضَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَاسْتَهْلَكَهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِ صَاحِبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمَالِك وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِهِ وَاعْتُرِضَ عَلَى هَذَا الْقَائِلِ أَنَّ الِاسْتِهْلَاكَ إنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِمَكَانِ الِاحْتِمَالِ فَالْغَصْبُ السَّابِقُ كَافٍ فَيُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ السَّابِقِ، وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الضَّمَانِ فِي الْغَصْبِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِقَبْضِهِ الدَّرَاهِمَ وَالْمَالِكَ إذَا رَضِيَ بِقَبْضِ الْغَاصِبِ، وَقَدْ كَانَ الْغَاصِبُ قَبَضَ لِلْحِفْظِ يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّرْفِ.
وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- عَلَى أَنَّ هَذَا الْخَلَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِخَلَلٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْغَصْبَ وَالْقَبْضَ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي نَفْسِهِ يَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِهْلَاكُ فِي نَفْسِهِ يَصْلُحُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ إلَّا أَنَّ أَمْرَ الْمَالِكِ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَإِجَازَتَهُ قَبْضَ الْغَاصِبِ مُبْرِئٌ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُدَّعِي أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْمُبْرِئِ عَنْ الضَّمَانِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا إلَّا إذَا ادَّعَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذَلِكَ دَفْعًا لِدَعْوَى الْمُدَّعِي إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ بَيَانُ ذَلِكَ عَلَى الْمُدَّعِي، ثُمَّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُدَّعِي ذَكَرَ الِاسْتِهْلَاكَ فِي الدَّعْوَى، إنَّمَا ذَكَرَ الْقَبْضَ بِغَيْرِ حَقٍّ يَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا تَسْلِيمَ عَيْنِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا وَثَبَتَ قَبْضُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمُ عَيْنِهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ يَتَعَيَّنَانِ فِي الْغُصُوبِ وَطَالَبَهُ الْمُدَّعِي بِتَسْلِيمِ عَيْنِهَا وَإِذَا عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِ عَيْنِهَا فَيُسَلِّمُ مِثْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمِثْلِ فَيُسَلِّمُ الْقِيمَةَ وَمِنْ الْأَئِمَّةِ مَنْ قَالَ: لِلْمُدَّعِي أَنْ يُطَالِبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلًا بِإِحْضَارِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا، ثُمَّ يُطَالِبَهُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيْهِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَلَكِنْ نَقُولُ: طَلَبُ الْإِحْضَارِ عَلَى الْإِطْلَاقِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ هَاهُنَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِحْضَارَ، إنَّمَا يُطْلَبُ فِي الْمَنْقُولَاتِ حَتَّى إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَشَارُوا إلَى الْمُدَّعَى بِهِ وَالشُّهُودُ لَا يُمْكِنُهُمْ الْإِشَارَةُ هَاهُنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ هَلْ هِيَ عَيْنُ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْصُوبَةِ فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَقَعُ الْإِشَارَةُ إلَى غَيْرِهَا بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ فَإِنَّهَا تُعْرَفُ ظَاهِرًا إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الدَّرَاهِمِ عَلَامَةٌ يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا مِنْ جِنْسِهَا فَحِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْإِحْضَارُ (مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الثَّمَنِ) صُورَتُهُ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ مِنْ الْأَطْلَسِ الْعَدَنِيِّ وَبَيَّنَ طُولَهُ وَعَرْضَهُ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَبَيَّنَ ذَلِكَ الثَّمَنَ، وَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنْ الْأَطْلَسِ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَيَّنَهُ وَقَلَنْسُوَتَيْنِ مَعْرُوفَتَيْنِ بِالْعِرَاقِيِّ وَإِزَارَةً وَتِكَّةً بِكَذَا ثَمَنًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَبَضَهَا مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَطَالَبَهُ بِالثَّمَنِ، وَأَنْكَرَ الْخَصْمُ الشِّرَاءَ مِنْهُ، وَأَنْكَرَ وُجُوبَ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ بِشَرَائِطِهَا وَكَتَبُوا نُسْخَةَ الْمَحْضَرِ وَطَلَبُوا بِجَوَابِ الْفَتْوَى فَزَعَمَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ أَنَّ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى خَلَلًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ الْمَبِيعُ هَذَا هَلْ كَانَ مِلْكَ الْبَائِعِ أَمْ لَا، لِجَوَازِ أَنَّهُ بَاعَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ هَذَا بِذُرْعَانِ أَهْلِ بُخَارَى أَوْ بِذُرْعَانِ خُرَاسَانَ، وَأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ فَيَبْقَى الْمَبِيعُ مَجْهُولًا إلَّا أَنَّ مَا زَعَمَ هَذَا الْقَائِلُ لَا يُوجِبُ خَلَلًا، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ نَظِيرُ قَوْلِهِ وَهُوَ يَمْلِكُهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ سَلَّمَهَا إلَيْهِ وَبَعْدَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ فَالْمُدَّعَى بِهِ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الثَّمَنُ الَّذِي وَجَبَ بِالْعَقْدِ، وَصَارَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ.
وَلَا جَهَالَةَ فِي الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا الْخَلَلُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ قِطْعَةَ أَطْلَسٍ صِفَتُهَا كَذَا وَقَلَنْسُوَتَيْنِ صِفَتُهُمَا كَذَا، وَأَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَسَلَّمَهَا الْبَائِعُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَقُلْ بَاعَهُنَّ وَاشْتَرَاهُنَّ وَسَلَّمَهُنَّ أَوْ اشْتَرَاهَا جُمْلَةً بَعْدَمَا بَاعَهَا مِنْهُ جُمْلَةً وَسَلَّمَ الْجُمْلَةَ إلَيْهِ وَهُوَ قَبْضُ الْجُمْلَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ إلَى كُلِّ ذَلِكَ، وَلَعَلَّهُ بَاعَ قِطْعَةَ الْأَطْلَسِ هَذِهِ وَالْقَلَنْسُوَتَيْنِ، وَأَنَّهُ اشْتَرَى الْقِطْعَةَ دُونَ الْقَلَنْسُوَتَيْنِ أَوْ سَلَّمَ الْقِطْعَةَ دُونَ غَيْرِهَا غَايَةَ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ كَلِمَةَ مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْصَرِفَ إلَى الْجُمْلَةِ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ إلَى أَحَدِهِمَا أَيْضًا فَلَا يَنْتَفِي هَذَا الِاحْتِمَالُ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شَيْءٍ يَزُولُ بِهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ وَهُوَ كَلِمَةُ هُنَّ أَوْ ذِكْرِ لَفْظِ الْجُمْلَةِ، أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ لَا يَزُولُ الِاحْتِمَالُ وَإِذَا لَمْ يَزُلْ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَقِيَ الْمَبِيعُ وَالْمُسَلَّمُ مَجْهُولًا فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْمُسَلَّمَ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ حَتَّى تَسْتَقِيمَ دَعْوَى الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الْوَكِيلِ وَدِيعَةَ مُوَكِّلِهِ) ادَّعَى عَلَى آخَرَ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ الثَّابِتَةِ لَهُ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ أَنَّ وَالِدَهُ دَفَعَ إلَى هَذَا الرَّجُلِ تَخْتَ دِيبَاجٍ عَدَدُهُ كَذَا وَصِفَتُهُ كَذَا، وَلَوْنُهُ كَذَا وَطُولُ كُلِّ دِيبَاجٍ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَمَانَةِ، وَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَالِدُهُ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْهُ، وَقَدْ وَكَّلَ وَالِدُهُ هَذَا بِالْخُصُومَةِ فِي ذَلِكَ مَتَى مَا ظَفِرَ بِهَذَا الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَوَكَّلَهُ بِقَبْضِ ذَلِكَ مِنْهُ أَيْضًا وَكَانَتْ الْوَكَالَةُ ثَابِتَةً لَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَادَّعَى عَلَيْهِ إحْضَارَ ذَلِكَ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ لِيُقِيمَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَبْضَ أَصْلًا وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَار الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ قَبَضَ لَكِنْ رَدَّهُ إلَى وَالِدِهِ وَكَتَبُوا الْمَحْضَرَ وَطَلَبُوا جَوَابَ الْمُفْتِينَ فَأَجَابُوا بِالْخَلَلِ وَكَأَنَّ وَجْهَ الْخَلَلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ كَذَّبَهُ فِي قَوْلِهِ (بازرد كردم) وَهَذَا لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ صَدَّقَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى وَالِدِهِ لَا يَبْقَى لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذِكْرِ التَّكْذِيبِ فِي الرَّدِّ لِتَسْتَقِيمَ دَعْوَى الْإِحْضَارِ مِنْهُ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَلَلٍ؛ لِأَنَّ طَلَبَهُ إحْضَارَ التَّخْتِ تَكْذِيبٌ لَهُ فِي الرَّدِّ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى امْرَأَةٍ مَنْزِلًا فِي يَدِ رَجُلٍ شِرَاءً مِنْ وَالِدِهَا) امْرَأَةٌ ادَّعَتْ مَنْزِلًا عَلَى رَجُلٍ، وَقَالَتْ: هَذَا الْمَنْزِلُ، وَذَكَرَتْ مَوْضِعَهُ وَبَيَّنَتْ حُدُودَهُ كَانَ حَقًّا وَمِلْكًا لِوَالِدِي فُلَانٍ، وَأَنَّهُ بَاعَهُ مِنِّي يَوْمَ كَذَا فِي شَهْرِ كَذَا حَالَ كَوْنِهِ نَافِذًا التَّصَرُّفَ وَأَنِّي قَدْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ ذَلِكَ فِي حَالِ صِحَّةِ التَّصَرُّفَاتِ وَالْيَوْمَ جَمِيعُ هَذَا الْمَنْزِلِ حَقِّي وَمِلْكِي بِهَذَا السَّبَبِ، وَأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ الْمَنْزِلُ أَحْدَثَ يَدَهُ فِيهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ قَصْرُ يَدِهِ عَنْهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَيَّ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (آن منزل مُلْك مِنْ است وَحَقْ مِنْ است باين مُدَّعِيهِ سَيْر دنى نيست باين سَبَب النَّجَّارِيَّةِ دعوى ميكند) فَأَحْضَرَتْ الْمُدَّعِيَةُ نَفَرًا ذَكَرَتْ أَنَّهُمْ شُهُودُهَا فَشَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ الِاسْتِشْهَادِ، وَقَالَ (كواهي ميدهم كه أَيْنَ فُلَان بْن فُلَان والداين مُدَّعِيه إقْرَار كردبر حَالَ روائي إقْرَار وَكُفْتً مِنْ أَيْنَ خَانَة كه حدر دوى دَرِّينَ مَحْضَر مذكور است باين دختر خويش فُلَانَة فروخته أَمْ ووى ابْن خَانَهُ ازمن خريده است بهمين بِهَا كه دَرِّينَ مَحْضَر مذكور است بهمين تَارِيخ كه دَرِّينَ مَحْضَر مذكور است فروختني وَخُرَّ يُدَنِّي دَرَسْتُ وامرو زاين خَانَهُ فُلَانَة است باين سَبَب كه اندرين مَحْضَر يادكردده شِدَّهْ است واين مُدَّعَى عَلَيْهِ دُسَتُ نوكرده است دَرِّينَ خَانَهُ بنا حَقّ).
وَاسْتَفْتَوْا الْمُفْتِينَ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ خَلَلًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهَا بِتَارِيخِ كَذَا، وَهَكَذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِهَذَا الْبَيْعِ وَبِهَذَا التَّارِيخِ، وَهَذَا يُوجِبُ خَلَلًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِقْرَارَ إلَى تَارِيخِ الْبَيْعِ فِي يَوْمِ كَذَا، وَلَعَلَّ الْإِقْرَارَ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ التَّارِيخِ، وَهَذَا الزَّعْمُ فَاسِدٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْإِقْرَارَ إنْ حُمِلَ عَلَى مَا قَبْلَ الْبَيْعِ يَكُونُ بَاطِلًا، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا بَعْدَهُ يَكُونُ صَحِيحًا.
وَالْأَصْلُ فِي تَصَرُّفِ الْعَاقِلِ أَنْ يُصَحَّحَ لَا أَنْ يُبْطَلَ وَزَعَمَ هَذَا الزَّاعِمُ أَيْضًا أَنَّ فِي لَفْظِ الشَّهَادَةِ خَلَلًا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَشَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ، ثُمَّ قَالُوا: وَالْيَوْمَ جَمِيعُ هَذَا الْمَنْزِلِ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعِي بِالسَّبَبِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَحْضَرِ، وَالسَّبَبُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَحْضَرِ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ بِالْبَيْعِ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا، وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْبَيْعِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بَاطِلَةً، وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ خَلَلًا فِي شَهَادَتِهِمْ وَفَسَادًا؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مِنْ الْمُدَّعِيَةِ فَقَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ، وَلَكِنْ بِنَاءً عَلَى الْإِقْرَارِ، وَالْبَيْعُ سَبَبُ الْمِلْكِ.
وَالثَّانِي- أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَا عِلْمَ لَنَا بِعَدَمِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْبَيْعِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَعَلَّ لَهُمْ شَهَادَةً عَلَى الْبَيْعِ لَكِنْ لَمَّا شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ أَوَّلًا، ثُمَّ شَهِدُوا عَلَى الْبَيْعِ وَهُوَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْمَلِكِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الشَّهَادَةِ خَلَلٌ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى ثَمَنِ الدُّهْنِ) ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَذَا دِينَارًا نَيْسَابُورِيَّةً جَيِّدَةً حَقًّا وَاجِبًا وَدَيْنًا لَازِمًا بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ، وَذَكَرَ فِيهِ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الدَّنَانِيرَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذَا كَذَا مِنْ دُهْنِ السِّمْسِمِ الصَّافِي وَبَيَّنَ أَوْصَافَهُ شِرَاءً صَحِيحًا، وَقَبَضَهُ مِنْهُ قَبْضًا صَحِيحًا فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا تَسْلِيمُ هَذِهِ الدَّنَانِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَذَكَرَ جَوَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْإِنْكَارِ.
وَذَكَرَ بَعْدَهُ شَهَادَةَ الشُّهُودِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ فِيهِ هَذَا الْمَبْلَغُ مِنْ الدُّهْنِ الصَّافِي الْمَوْصُوفِ فِيهِ وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّهُودِ بِالْفَارِسِيَّةِ (كواهي ميدهم كه أَيْنَ مُدَّعَى عَلَيْهِ)، وَأَشَارَ إلَيْهِ (مُقِرّ آمُدّ بِحَالٍ صَحَّتْ وروائي إقْرَار خويش بطوع وَرَغِبْتُ وَجَنِين كَفَتْ بخريدم إزين مَدْعِيٌّ)، وَأَشَارَ إلَيْهِ (هفصد مِنْ روغن كنجدبا كيزه صَافِّي خريدني دَرَسْتُ وَقَبض كردم قبضي دَرَسْتُ) وَاسْتَفْتَوْا عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى، فَقِيلَ: إنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالشَّهَادَةُ غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِلدَّعْوَى.
أَمَّا بَيَانُ أَحَدِ وَجْهَيْ فَسَادِ الدَّعْوَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذَا الْمَالِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، وَدَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ لَيْسَ بِدَعْوَى لِلْحَقِّ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُدَّعِي الْمَالُ دُونَ الْإِقْرَارِ، فَإِذَا ادَّعَى الْإِقْرَارَ فَقَدْ ادَّعَى مَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ.
وَالثَّانِي- أَنَّهُ ظَهَرَ وَجْهُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ، إنَّمَا الْمُوجِبُ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ وَالْإِقْرَاضُ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ ثَابِتًا لِلْمُدَّعِي بِسَبَبِهِ لَادَّعَى ذَلِكَ وَلَبَيَّنَ سَبَبَهُ فَلَمَّا أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ وَمَالَ إلَى الْإِقْرَارِ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي الدَّعْوَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي لِفَسَادِ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ سَبَبَ الْوُجُوبِ وَهُوَ شِرَاءُ الدُّهْنِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنْ الدُّهْنِ الَّذِي يَدَّعِي بَيْعَهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ حَتَّى يَقَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ عَدَمِ بَعْضِهِ لَا يَكُونُ الْبَيْعُ مُنْعَقِدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ أَوْ فِي حَقِّ الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى الثَّمَنِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ، وَالْبَيْعُ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ قَبَضَهُ قَبْضًا صَحِيحًا، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَوُجُوبُ الثَّمَنِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ، وَلَا مَقْبُوضًا لَكِنَّ الْكَاتِبَ هَكَذَا ذَكَرَ، وَالثَّانِي- أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ، ثُمَّ حَصَّلَهُ الْبَائِعُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ، وَقَبَضَهُ فِي مَجْلِسِ الشِّرَاءِ أَوْ عَقِيبَ الْقِيَامِ عَنْ مَجْلِسِ الشِّرَاءِ.
وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهِ وَقْتَ الْبَيْعِ لَا يَنْفَعُهُ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ حِينَئِذٍ يَقَعُ بَاطِلًا وَالتَّسْلِيمُ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ لَا يَنْفَعُ فَلَا يَكُونُ هَذَا بَيْعًا بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ هَذَا التَّسْلِيمَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْبَيْعُ بِالتَّعَاطِي فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ التَّسْلِيمُ بِنَاءً عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِي الْإِجَارَةِ إذَا آجَرَ دَارِهِ أَوْ أَرْضَهُ وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِمَتَاعِ الْأَجْرِ وَزَرْعِهِ، ثُمَّ فَرَّغَ وَسَلَّمَ لَا تَنْقَلِبُ الْإِجَارَةُ جَائِزَةً فَلَا يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا إجَارَةٌ مُبْتَدَأَةٌ بِالتَّعَاطِي؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَصَلَ بِنَاءً عَلَى الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ كَذَا هُنَا وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَنْكَرَ وَجْهَ الْقِيَاسِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى، وَذَكَرَ لِكُلِّ وَجْهٍ مِنْ وَجْهَيْ الْفَسَادِ جَوَابًا.
أَمَّا الْأَوَّلُ قُلْنَا: دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا حَصَلَ دَعْوَى الْمَالِ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ بِأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي: عَلَيْكَ كَذَا؛ لِأَنَّكَ أَقْرَرْتَ لِي بِهِ، أَوْ قَالَ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي؛ لِأَنَّكَ أَقْرَرْتَ لِي بِهَا، وَهُنَا دَعْوَى الْمَالِ مَا حَصَلَتْ بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ بَلْ دَعْوَى الْمَالِ حَصَلَتْ مُطْلَقَةً إلَّا أَنَّهُ مَعَ دَعْوَى الْمَالِ ادَّعَى إقْرَارَهُ بِالْمَالِ وَهُوَ لَا يُوجِبُ خَلَلًا.
وَقَوْلُهُ ظَهَرَ وَجْهُ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى مَمْنُوعٌ أَيْضًا، وَقَوْلُهُ لَمْ يَدَّعِ السَّبَبَ قُلْنَا: إنَّمَا لَمْ يَدَّعِ السَّبَبَ لَا لِمَا قُلْتُمْ، بَلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى السَّبَبِ وَوُجِدَ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ مِنْ الدُّهْنِ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْبَيْعِ قُلْنَا: هَذَا إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ بِأَنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ بَاعَ مِنْهُ كَذَا مَبْلَغًا مِنْ الدُّهْنِ، وَالشُّهُودُ هُنَا لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى إقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ، وَإِقْرَارُهُ كَانَ بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ مَتَى حَصَلَ بِتَصَرُّفٍ صَحِيحٍ ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي حَقِّهِ، وَإِنْ احْتَمَلَ الْفَسَادَ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ عُرِفَ فِي مَوَاضِعَ.
وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُطَابِقُ الدَّعْوَى فَإِنَّ فِي الشَّهَادَةِ ذِكْرُ إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ مُطْلَقًا لَا بِقَبْضِ الْمُشْتَرَى فَإِنَّ الشُّهُودَ قَالُوا (مقر آمد أَيْنَ مُدَّعَى عَلَيْهِ كه بخريدم ازين مُدَّعِي هفصد مِنْ روغن كنجد صافي باكيزه وَقَبض كردم قبض دَرَسْتُ)، وَفِي الدَّعْوَى ذَكَرَ الْقَبْضَ مَعَ الْإِشَارَةِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَبَضَهُ مِنْهُ قَبْضًا صَحِيحًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرُوا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَقَبض كردمش).
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ) صُورَتُهُ ادَّعَى الْمُوصَى لَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ أَوْصَى لِي بِثُلُثِ مَالِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَحَالَ كَوْنِهِ عَاقِلًا بَالِغًا وَأَحْضَرَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَصُّهُ فَيْرُوزَجُ وَادَّعَى عَلَى الْوَارِثِ أَنَّ هَذَا الْخَاتَمَ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ الَّتِي خَلَّفَهَا الْمَيِّتُ، وَأَنَّهُ فِي يَدِكَ فَوَاجِبٌ عَلَيْكَ دَفْعُ الثُّلُثِ الْمُشَاعِ مِنْ هَذَا الْخَاتَمِ إلَيَّ بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَأَنْكَرَ الْوَارِثُ الْوَصِيَّةَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ وَاسْتَفْتَوْا عَنْ صِحَّةِ الدَّعْوَى فَأَفْتَوْا بِفَسَادِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ الْفَسَادِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّهُ أَوْصَى طَائِعًا.
وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَوْصَى مُكْرَهًا وَالْوَصِيَّةُ مَعَ الْإِكْرَاهِ بَاطِلَةٌ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: طَلَبُ تَسْلِيمِ الثُّلُثِ الْمُشَاعِ مِنْ الْخَاتَمِ، وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَ الْجُزْءِ الشَّائِعِ مُتَصَوَّرٌ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى النِّكَاحِ عَلَى امْرَأَةٍ) وَصُورَتُهُ ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانَةَ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَحَلَالُهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مَعْلُومٍ بِمَشْهَدٍ مِنْ الشُّهُودِ الْعُدُولِ بِتَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ وَأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ طَاعَتِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهَا الِانْقِيَادُ فِي أَحْكَامِ النِّكَاحِ، وَقَدْ كَانَ جَوَابُ الْمَرْأَةِ أَنَّ انْقِيَادَهَا فِي أَحْكَامِ النِّكَاحِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَأَثْبَتَتْ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى سَبِيلِ دَفْعِ دَعْوَاهُ النِّكَاحَ عَلَيْهَا، وَقَدْ كَانَ أَتَى الرَّجُلُ بِدَفْعِ الدَّفْعِ وَادَّعَى أَنَّهَا مُبْطِلَةٌ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَأَنَّ دَعْوَاهَا الدَّفْعَ هَذِهِ سَاقِطَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا أَقَرَّتْ قَبْلَ دَعْوَاهَا الدَّفْعَ هَذِهِ أَنَّهَا اعْتَدَّتْ مِنْهُ بَعْدَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ وَدَخَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاعْتَدَّتْ مِنْهُ أَيْضًا وَكَانَ دَعْوَى انْقِضَاءِ الْعِدَّتَيْنِ مِنْهَا فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ فِي مِثْلِهَا انْقِضَاؤُهَا، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِهَذَا الزَّوْجِ بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ بِمَشْهَدٍ مِنْ الشُّهُودِ الْعُدُولِ وَأَنَّهَا الْيَوْمَ امْرَأَتُهُ وَكَانَ عَلَى الْمَحْضَرِ جَوَابُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَكِبَارِهِمْ بِالصِّحَّةِ وَاتَّفَقَ مَشَايِخُ بُخَارَى عَلَى أَنَّ الْمَحْضَرَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَبَيَّنُوا لِذَلِكَ وَجْهًا، فَقَالُوا: إنَّ الزَّوْجَ ادَّعَى إقْرَارَ الْمَرْأَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَدَعْوَى الْإِقْرَارِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالشَّيْءِ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ الْمُدَّعِي مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَعِنْدِي مَا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهِ الْفَسَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَا يَدَّعِي النِّكَاحَ بِحُكْمِ إقْرَارِهَا بَلْ يَدَّعِي النِّكَاحَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا دَعْوَى الْإِقْرَارِ لِبَيَانِ كَوْنِهَا مُبْطِلَةً فِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي آخِرِ الْجَامِعِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَبْلَ هَذَا مُصَرَّحَةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
(وَرُدَّ سِجِلٌّ مِنْ مَرْوَ فِي إثْبَاتِ مَلَكِيَّةِ جَمَلٍ) وَكَتَبَ فِيهِ يَقُولُ الْقَاضِي فُلَانٌ صَاحِبُ الْمَظَالِمِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِكُورَةِ مَرْوَ وَنَوَاحِيهَا مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ فُلَانٍ حَضَرَ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِهَا بِتَارِيخِ كَذَا رَجُلٌ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانٌ وَأَحْضَرَ مَعَهُ خَصْمًا ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ فَادَّعَى عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ قَالُوا.
وَكَانَ فِي الْمَحْضَرِ الْمَذْكُورِ إلَى هُنَا خَلَلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ كَتَبَ حَضَرَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ بِهَا، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ كَوْنِهِ قَاضِيًا بِمَرْوَ وَنَوَاحِيهَا فَقَوْلُهُ بِهَا يَحْتَمِلُ الِانْصِرَافَ إلَى كُورَةِ مَرْوَ وَيَحْتَمِلُ الِانْصِرَافَ إلَى النَّوَاحِي فَالْحُكْمُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا، إذْ الْمِصْرُ شَرْطُ صِحَّةِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- مَذْكُورٌ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَلَلٍ لِأَنَّ الْمِصْرَ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي خَارِجِ الْمِصْرِ كَانَ قَضَاؤُهُ فِي فَصْلٍ مُخْتَلِفٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ.
وَالثَّانِي- أَنَّهُ ذَكَرَ فَادَّعَى عَلَيْهِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الَّذِي حَضَرَ وَاَلَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ فَادَّعَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الدَّعْوَى صَدَرَتْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْمُدَّعِي أَوْ مِنْ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى غَيْرِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ بِمَحْضَرٍ مِنْ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ جَمَلًا صِفَتُهُ كَذَا عَلَى فَخِذِهِ كَيٌّ صِفَتُهُ كَذَا سِنُّهُ كَذَا قِيمَتُهُ كَذَا بِمَحْضَرٍ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، قَالُوا: وَفِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ خَلَلٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى الذِّكْرِ فَبَيَانُ الصِّفَةِ وَالسِّنِّ وَالْقِيمَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ، إذْ هُوَ مُحْضَرٌ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الصِّفَةِ وَالسِّنِّ وَالْقِيمَةِ وَفِيهِ خَلَلٌ، فَإِنَّهُ قَالَ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إنَّ الْجَمَلَ الْمُحْضَرَ هَذَا مِلْكُ الْمُدَّعِي وَحَقُّهُ، ثُمَّ قَالَ: وَفِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا، ثُمَّ ذَكَرُوا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ قَصْرُ الْيَدِ عَنْهُ وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ: وَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَصْرُ يَدِهِ عَنْ الْجَمَلِ الْمُدَّعَى بِهِ هَذَا، ثُمَّ ذَكَرُوا إعَادَتَهُ إلَى يَدِهِ وَعَسَى لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ بِأَنْ كَانَ وَرِثَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى غَصَبَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ مَكَانَ لَفْظَةِ الْإِعَادَةِ لَفْظَةَ التَّسْلِيمِ، وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُدَّعِي هَذَا ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ وَالْإِنْكَارِ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي جَمَاعَةً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي هَذَا، ثُمَّ ذَكَرَ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ شَهِدُوا أَنَّ الْجَمَلَ الْمُدَّعَى مِلْكُ الْمُدَّعِي وَحَقُّهُ وَفِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَقُولَ: شَهِدُوا أَنَّ الْجَمَلَ الْمُدَّعَى هَذَا مِلْكُ الْمُدَّعِي هَذَا وَحَقُّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدْ كَانَ ذَكَرَ عَقِيبَ ذَلِكَ وَأَشَارُوا إلَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ وَأَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْإِشَارَةِ عَقِيبَ ذِكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَعَسَى أَشَارُوا إلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الْإِشَارَةِ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعِنْدَ ذِكْرِ الْجَمَلِ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْإِشَارَةِ إلَى الْجَمَلِ إلَّا إذَا كَانَ ذَكَرَ، وَأَشَارَ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ هَذَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ لَفْظَةَ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَشْهُودِ بِهِ، وَأَحْوَجُ مَا يَكُونُ فِي الْمَحْضَرِ وَالسِّجِلِّ الْإِشَارَةُ فِي مَوَاضِعِ الْإِشَارَةِ فِي لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ وَالدَّعْوَى حَتَّى يَرْتَفِعَ الِاشْتِبَاهُ وَتَصِحَّ الدَّعْوَى.
وَقَدْ كَانَ ذَكَرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ فَالْتَمَسَ الْمُدَّعِي هَذَا مِنِّي الْحُكْمَ فَأَعْلَمْتُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ مِنْ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَكَرَ هَذَا عَقِيبَ ذِكْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ إلَى آخِرِ السِّجِلِّ لَفْظَةَ هَذَا عِنْدَ ذِكْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَكِنْ تَسَاهَلَ فِي تَرْكِ ذِكْرِ الْإِشَارَةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَإِنَّمَا يُبَالِغُ فِي ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ، وَقَدْ كَانَ فِيهِ أَيْضًا حَكَمْتُ بِثُبُوتِ مِلْكِيَّةِ الْمَذْكُورِ فِيهِ لِلْمُدَّعِي وَبِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَكَرُوا بِحَضْرَةِ الْجَمَلِ الْمُدَّعَى بِهِ هَذَا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّ فِي الْمَنْقُولِ يَحْتَاجُ الْقَاضِي وَقْتَ الْحُكْمِ إلَى الْإِشَارَةِ كَمَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ وَقْتَ الشَّهَادَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ الْقِيمَةَ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ مَا يُدَّعَى قِيمَتُهُ، كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ الْمُسْتَحَقِّ كَذَا هُنَا، وَكَانَ الْقَاضِي كَتَبَ فِي آخِرِ السِّجِلِّ الْمَذْكُورِ فِيهِ صَدَرَ مِنْ فُلَانٍ.
وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَتْبٌ: إنِّي حَكَمْتُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ أَوْ بِدَلِيلٍ لَاحَ عِنْدِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ كَانَتَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَسَى كَانَتْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ بَيْنَ يَدَيْ نَائِبِهِ وَهُوَ تَوَلِّي الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ قَاضِي بُخَارَى كَتَبَ فِي آخِرِ هَذَا السِّجِلِّ وَصَدَرَ مِنْهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ بِحَضْرَةِ الْخَصْمِ، وَعَسَى كَانَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَصْمِ فَلَا يَكُونُ صَحِيحًا وَلَوْ كَانَ كَتَبَ: حَكَمْتُ بِثُبُوتِ السِّجِلِّ بِشَرَائِطِهِ لَا يَكْفِي أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقِفُ عَلَى الشَّرَائِطِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِ الْقَاضِي شَهِدُوا عَلَى مُوَافَقَةِ الدَّعْوَى أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْمُوَافَقَةَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَكَذَا هُنَا.
(مَحْضَرٌ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ بِثُلُثِ الْمَالِ) وَكَانَ الْمُوصِي امْرَأَةً وَهِيَ بِنْتُ الْأُسْتَاذِ مُحَمَّدٍ الْبُخَارِيِّ السَّمَرْقَنْدِيِّ الْمَعْرُوفِ بِأُسْتَاذِ مَيَّارَةَ قَدْ كَانَتْ أَوْصَتْ بِثُلُثِ مَالِهَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ الْحِنْطَةَ وَتُفَرَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِقَضَاءِ صَلَوَاتِهَا الْفَائِتَةِ وَيَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ شَاةً فَيُضَحِّيَ بِهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ أَيَّامِ الْأُضْحِيَّةِ وَيَشْتَرِيَ بِثُلُثِهِ الرَّغَائِفَ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْهُ الْخَبِيصُ وَالْكِيزَانُ وَالْكَرِيبُ عَلَى حَسَبِ مَا اعْتَادَ النَّاسُ فِي أَيَّامِ عَاشُورَاءَ، وَقَدْ كَانَتْ أَوْصَتْ إلَى أُخْتِهَا وَأَمَرَتْهَا بِتَنْفِيذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ فَادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا بِمَحْضَرٍ مِنْهُ وَكَانُوا كَتَبُوا فِي الْمَحْضَرِ بَيَانَ الْإِيصَاءِ، وَقَالُوا فِي آخِرِهِ: وَفِي يَدِ زَوْجِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا جُلُّ سَرْجٍ كَانَ طُولُهُ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا قِيمَتُهُ دِينَارٌ وَنِصْفٌ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ إحْضَارُ الْجُلِّ مَجْلِسَ الدَّعْوَى لِتَتَمَكَّنَ هِيَ مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ: إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى إحْضَارِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ وَاسْتَهْلَكَهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ نِصْفِ دِينَارٍ، وَذَلِكَ ثُلُثُ قِيمَتِهِ لِتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ، وَكَانَ هَذَا مُوجِبًا لِلْخَلَلِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمَذْكُورَ هِيَ الْقِيمَةُ لَا غَيْرُ، وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ هَذَا قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِهِ أَوْ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجُلَّ يَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الزَّوْجِ ظَاهِرًا إذَا لَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ.
وَعَسَى كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ فَلَا يَصِحُّ مُطَالَبَتُهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ فِي الْحَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ كَانَتْ دِينَارًا وَنِصْفًا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرُوا أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إحْضَارُ هَذَا الْجُلِّ وَتَسْلِيمُهُ إلَى الْمُوصَى إلَيْهَا حَتَّى تَبِيعَهُ وَتَأْخُذَ مِنْهُ الثُّلُثَ إنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ مُنْكِرًا كَوْنَ الْجُلِّ هَذَا فِي يَدِهِ مِلْكًا لِلْمُوصِيَةِ هَذِهِ حَتَّى تَتَمَكَّنَ الْمُدَّعِيَةُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي طَلَبِ إحْضَارِ الْجُلِّ هَذَا حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَمَكَّنُ مِنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ الْبَيْعُ إنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُنْكِرًا..
(سِجِلٌّ فِي إثْبَاتِ الْوَقْفِيَّةِ) وَكَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَ فُلَانًا وَأَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي طَلَبِ حُقُوقِهِ مِنْ النَّاسِ وَقَبَضَهَا لَهُ مِنْهُمْ تَوْكِيلًا مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ مُتَحَقَّقٍ كَائِنٍ قَبْلَ هَذَا التَّوْكِيلِ، وَهُوَ هَذَا الْوَقْفُ وَقَالَ بِالْفَارِسِيَّةِ (اكر فُلَان وَقَفَ كرده است أَيْنَ فُلَان مَوْضِع رابربرا درو خواهر خويش فُلَان وفلانه) بِشَرَائِطِ كَذَا وَسَلَّمَهُ إلَى مُتَوَلٍّ كَانَ وَلَّاهُ يَوْمَ الْوَقْفِ وَصَارَتْ وَقْفِيَّةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُسْتَفِيضَةً مَشْهُورَةً، وَصَارَ هَذَا الْوَقْفُ مِنْ الْأَوْقَافِ الْقَدِيمَةِ الْمَشْهُورَةِ فَأَنْتَ وَكِيلٌ بِقَبْضِ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَى النَّاسِ، وَقَدْ ثَبَتَ وَقْفِيَّةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِالشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ، وَصَارَتْ مِنْ الْأَوْقَافِ الْمَشْهُورَةِ وَيَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْوَكَالَةِ بِقَبْضِ الدُّيُونِ الَّتِي لِفُلَانٍ عَلَى النَّاسِ وَلِفُلَانٍ الْمُوَكَّلِ عَلَى هَذَا الْمَحْضَرِ دَيْنُ كَذَا كَذَا فَأَجَابَ الْخَصْمُ، وَقَالَ (بِلَا فُلَان ترا وكيل كرده است بران وَجْه كه دعوى اميكني وَكَاَلَّتِي مَعْلُوم بآن شَرْط كه ياد كردي ومرا بِفُلَانِ جندين كه دعوى ميكني دادني نيست ولكن مرا از وقفيت أَيْنَ مَوْضِع مَعْلُوم نيست وازشهرت وَاسْتَفَاضَتْ أَوْ خَيَّرَنِي ومرايتوا باين وَجْه كه دعوى ميكني دادني نيست) أَحْضَرَ الْمُدَّعِي نَفَرًا ذَكَرَ أَنَّهُمْ شُهُودُهُ يَشْهَدُونَ لَهُ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ فَشَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِهَا وَسَاقُوا الشَّهَادَةَ عَلَى سُنَنِهَا، وَذَكَرُوا أَنَّ فُلَانًا وَقَفَ هَذِهِ الضِّيَاعَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ عَلَى كَذَا بِشَرَائِطِ كَذَا وَحَكَمَ الْقَاضِي بِثُبُوتِ الْوَقْفِيَّةِ وَتَحَقَّقَ شَرْطُ الْوَكَالَةِ وَلُزُومُ الْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَلَّفَهُ أَدَاءَ ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي وَأَمَرَ بِكِتَابَةِ هَذَا السِّجِلِّ فَكَتَبُوا وَوَقَّعَ الْقَاضِي عَلَى صَدْرِهِ وَكَتَبَ فِي آخِرِهِ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ، ثُمَّ اسْتَفْتَوْا عَنْ صِحَّةِ السِّجِلِّ كَمَا هُوَ فَأَجَابَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بِصِحَّتِهِ.
وَأَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ بِفَسَادِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي عِلَّةِ الْفَسَادِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ وَشَرَائِطِهِ بِالشُّهْرَةِ وَالِاسْتِفَاضَةِ، وَالشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ جَائِزَةٌ وَعَلَى شَرَائِطِهِ (لَا)، وَإِذَا لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ، وَالشُّهُودُ شَهِدُوا بِهِمَا لَا تُقْبَلُ عَلَى أَصْلِ الْوَقْفِ أَيْضًا هُنَا: إمَّا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَاحِدَةٌ فَإِذَا بَطَلَتْ فِي الْبَعْضِ بَطَلَتْ فِي الْكُلِّ، أَوْ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمَّا لَمْ تَحِلَّ لَهُمْ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّرَائِطِ بِالشُّهْرَةِ فَإِذَا شَهِدُوا بِهَا فَقَدْ أَتَوْا بِمَا لَا يَحِلُّ لَهُمْ فَيُوجِبُ ذَلِكَ فِسْقَهُمْ، وَالْفِسْقُ يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ وَجَهْلُهُمْ بِذَلِكَ لَا يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأَحْكَامِ، وَالْجَهْلُ بِالْحُكْمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ عُذْرًا، وَإِنَّمَا عُلِمَ هُنَا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِوَقْفٍ قَدِيمٍ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ كَثِيرَةٌ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَالَ حَيَاةِ الْوَاقِفِ، وَلَمْ يَسْمَعُوا مِنْهُ وَكَذَلِكَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ شَهِدُوا بِوَقْفٍ قَدِيمٍ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ كَثِيرَةٌ يُعْلَمُ قَطْعًا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَالَ حَيَاةِ الْوَاقِفِ يُعْلَمُ ضَرَر أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ.
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ عِنْدِي؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ وَإِنْ شَهِدُوا بِوَقْفٍ قَدِيمٍ مَضَى عَلَيْهِ سُنُونَ كَثِيرَةٌ بِهَذَا لَا تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ عَايَنُوا قَاضِيًا قَضَى بِوَقْفِيَّةِ هَذَا الْمَوْضِعِ بِالشَّرَائِطِ الْمَذْكُورَةِ (وَطَرِيقٌ آخَرُ يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالتَّسَامُعِ) أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ شَهِدْنَا؛ لِأَنَّهُ اُشْتُهِرَ عِنْدَنَا، وَهَذَا مَقْبُولٌ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالُوا: شَهِدْنَا لِأَنَّا سَمِعْنَا مِنْ النَّاسِ حَيْثُ لَا تُقْبَلُ فِي ظَاهِرِ الْجَوَابِ، كَمَا لَوْ قَالُوا: شَهِدْنَا بِمَلَكِيَّةِ هَذِهِ الْعَيْنِ لِفُلَانٍ لِأَنَّا رَأَيْنَا هَذِهِ الْعَيْنَ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ، ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي شَهَادَاتِ مُخْتَصَرِ عِصَامٍ وَفِي رِوَايَةٍ تُقْبَلُ، وَإِنْ فَسَرُّوا بِالسَّمَاعِ مِنْ النَّاسِ وَبِالْيَدِ، ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَسَدَ السِّجِلُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَيِّنُوا الْمُتَوَلِّي، وَلَمْ يَسْمَعُوهُ.
وَلَمْ يَذْكُرُوا نَسَبَهُ بَلْ ذَكَرُوهُ مَجْهُولًا، وَالتَّسْلِيمُ إلَى الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ وَالتَّسْلِيمُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ، وَلَا اعْتِمَادَ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ إنَّمَا الِاعْتِمَادُ عَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى، وَعِنْدِي أَنَّ الدَّعْوَى مِنْ الْوَكِيلِ عَلَى وَقْفِيَّةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا تَصِحُّ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى خَالِيَةً عَمَّا ذَكَرُوا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِهَذِهِ الدَّعْوَى يُثْبِتُ شَرْطَ حَقِّهِ بِإِثْبَاتِ فِعْلٍ عَلَى الْغَائِبِ وَفِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْغَائِبِ عَمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَالْإِنْسَانُ لَا يَصْلُحُ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ شَرْطِ حَقِّهِ بِإِثْبَاتِ فِعْلٍ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ، أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِطَلَاقِ فُلَانٍ امْرَأَتَهُ فَأَقَامَ الْعَبْدُ بَيِّنَةً أَنَّ فُلَانًا قَدْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْعَبْدِ، وَلَا يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ، وَالْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي طَلَاقِ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ، وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِسَمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَقَبُولِ بَيِّنَتِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى ثَمَنِ أَشْيَاءَ أَرْسَلَ الْمُدَّعِي إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيَبِيعَهَا) وَصُورَتُهُ حَضَرَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ الْفُلَانِيُّ وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانًا وَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي حَضَرَ أَرْسَلَ إلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ بِيَدِ أَمِينٍ لَهُ فُلَانٍ كَذَا عَدَدًا مِنْ الْكِرْبَاسِ الزَّنْدَبِيجِيِّ الْبُخَارِيِّ الْمَسْمُوحِ، طُولُ كُلِّ وَاحِدٍ كَذَا وَعَرْضُهُ كَذَا لِيَبِيعَ مِمَّنْ يَرْغَبُ فِي شِرَائِهِ بِمَا يَقُومُ أَهْلُ الْبَصَرِ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ فُلَانًا الْأَمِينَ أَوْصَلَ هَذِهِ الْكَرَابِيسَ إلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ، وَأَنَّ هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ قَبَضَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْأَمِينِ وَبَاعَ مِمَّنْ اشْتَرَى بِتَقْوِيمِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَذَلِكَ كَذَا فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ فِيهِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي إنْ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَدَاءُ مِثْلِ تِلْكَ الدَّنَانِيرِ الْمَقْبُوضَةِ إلَى الْمُدَّعِي وَسَأَلَ مَسْأَلَتَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ فَأَجَابَ الَّذِي أَحْضَرَهُ بِالْإِنْكَارِ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شُهُودًا فَاسْتُفْتُوا عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى قِيلَ هَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ وَفِيهَا خَلَلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمَ ثَمَنِ الْكَرَابِيسِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى.
وَذَكَرَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ بَاعَ الْكَرَابِيسَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ بِكَذَا وَقَبَضَ الثَّمَنَ وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بَاعَ الْكَرَابِيسَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ هَلَكَتْ الْكَرَابِيسُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ الثَّمَنُ لَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْكَرَابِيسِ بَلْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِمُشْتَرِي الْكَرَابِيسِ فَإِنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ لِصَاحِبِ الْكَرَابِيسِ إذَا سَلَّمَ الْبَائِعُ الْكَرَابِيسَ إلَى الْمُشْتَرِي فَمَا لَمْ يَذْكُرْ التَّسْلِيمَ لَا تَكُونُ دَعْوَى الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ صَحِيحَةً.
(وَالْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهُ قَالَ: فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الَّذِي أَحْضَرَهُ مَعَهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي مِثْلِ هَذِهِ الدَّعْوَى لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَةَ الْوُجُوبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَوُجُودِ التَّسْلِيمِ إلَى الْمُشْتَرِي فَالثَّمَنُ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ وَفِي الْأَمَانَاتِ لَا يَجِبُ عَلَى الْأَمِينِ تَسْلِيمُهَا إلَى صَاحِبِهَا إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ لَا غَيْرُ فَمُطَالَبَتُهُ بِالتَّسْلِيمِ لَا تَكُونُ مُسْتَقِيمَةً.
وَالثَّانِي- أَنَّ الثَّمَنَ لَوْ كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْأَمِينِ كَانَ مُتَعَيَّنًا وَفِيمَا يَتَعَيَّنُ مِنْ الْمَنْقُولِ إنَّمَا تَسْتَقِيمُ الْمُطَالَبَةُ بِالْإِحْضَارِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِيَتَمَكَّنَ الْمُدَّعِي مِنْ الدَّعْوَى وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِحَضْرَتِهِ، وَلَا تَسْتَقِيمُ الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- قَالُوا: الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْخَلَلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، قَوْلُهُ لَوْ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَسْلِيمُ الْمَبِيعِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ كَانَ الثَّمَنُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْوَكِيلِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْأَمِينِ تَسْلِيمُ الْأَمَانَةِ، قُلْنَا: الْأَمِينُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَمَانَةِ بِحَقِيقَتِهِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَجَازِهِ، وَهُوَ التَّخْلِيَةُ فَيُحْمَلُ دَعْوَى التَّسْلِيمِ عَلَى دَعْوَى التَّخْلِيَةِ تَصْحِيحًا، وَقَوْلُهُ: إنَّ الثَّمَنَ فِي يَدِ الْوَكِيلِ لَوْ كَانَ قَائِمًا كَانَ مُتَعَيِّنًا فَيَجِبُ الْإِحْضَارُ لِلْإِشَارَةِ، وَلَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ قُلْنَا الْإِحْضَارُ، وَلَا يُفِيدُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ لِلْإِشَارَةِ، وَلَا يُمْكِنُ لِلشُّهُودِ الْإِشَارَةُ إلَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي هِيَ أَثْمَانٌ، وَقَدْ مَرَّ جِنْسُ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى مَلَكِيَّةِ حِمَارٍ صُورَتُهُ ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ مَلَكِيَّةَ حِمَارٍ فَحَضَرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَقَالَ: هَذَا الْحِمَارُ الَّذِي فِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ وَفِي يَدِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ فَاسْتُفْتُوا عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى، فَقِيلَ: إنَّهَا فَاسِدَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ ذَكَرَ الشِّرَاءَ مِنْ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ وَنُقِدَ الثَّمَنُ، وَقَدْ كَتَبْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا وَجَدَ الْمُشْتَرَى فِي يَدِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ نَقَدَ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ لَا يَكُونُ لَهُ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ وَالِاسْتِخْرَاجِ مِنْ يَدِ ذِي الْيَدِ، وَأَكَّدْنَا ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمُنْتَقَى.
وَالثَّانِي- أَنَّ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ بِسَبَبِ الشِّرَاءِ لَا بُدَّ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَقُولَ: بَاعَ فُلَانٌ مِنِّي، وَهُوَ يَمْلِكُهُ أَوْ يَذْكُرَ التَّسْلِيمَ أَوْ يَقُولَ مِلْكِي اشْتَرَيْتُهُ مِنْ فُلَانٍ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ذِكْرَ الْمِلْكِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَافٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الرَّجُلِ بَقِيَّةَ صَدَاقِ بِنْتِهِ عَلَى زَوْجِهَا بِسَبَبِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهِ بِالْحَلِفِ) وَكَانَ صُورَةُ الدَّعْوَى: كَانَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ عَلَى خَتَنِي كَذَا دِينَارًا بِسَبَبِ كَذَا فَقَضَى مِنْ ذَلِكَ كَذَا وَبَقِيَ عَلَيْهِ كَذَا، وَكَانَ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ خَطُّ إقْرَارِ خَتَنِي بِهَذَا فَظَفِرَ الْمُقِرُّ بِذَلِكَ وَمَزَّقَهُ، ثُمَّ أَخَذَهُ الْغَرِيمُ يَوْمًا وَطَالَبَهُ بِالْبَاقِي مِنْ الْمَالِ فَأَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَهُ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهَدَّدَهُ وَحَبَسَهُ فَأَقَرَّ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ خَطًّا بِذَلِكَ وَهَكَذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَلِفِ وَبِبَذْلِ الْخَطِّ وَالْإِقْرَارِ بِبَقِيَّةِ مَالِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَصِهْرُهُ وَرَفَعُوا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي فَادَّعَى صِهْرُهُ بِوَكَالَةِ ابْنَتِهِ بَقِيَّةَ مَهْرِهَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِسَبَبِ الْحَلِفِ الْمَذْكُورِ فِيهِ فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِيهِ الْحَلِفَ وَالْإِقْرَارَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَتَى الْمُدَّعِي بِالشُّهُودِ فَشَهِدُوا بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ أَنِّي حَلَفْتُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ أَنَّهُ لَيْسَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا.
وَهُوَ مَا كَانَ يَدَّعِي عَلَيَّ مِنْ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ، ثُمَّ بَذَلْتُ لَهُ الْخَطَّ بِكَذَا فَاسْتَفْتُوا عَنْ صِحَّةِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَمُوَافَقَةِ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى، فَقِيلَ: إنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ غَيْرُ مُوَافِقَةٍ لِهَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ فِي الدَّعْوَى ذَكَرَ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بَعْدَ الْحَلِفِ بِبَقِيَّةِ الْمَالِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وَبَذَلَ لَهُ الْخَطَّ بِذَلِكَ، وَفِي الشَّهَادَةِ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَذَلَ الْخَطَّ بَعْدَ الْحَلِفِ بِكَذَا، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ بَذَلَ الْخَطَّ بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَيْهِ، وَعَسَى بَذَلَ لَهُ خَطَّ الصُّلْحِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ بَذَلَ خَطَّ الْإِقْرَارِ وَأَشْهَدُوا أَقَرَّ بِمَالٍ آخَرَ لَا بِذَلِكَ الْمَالِ فَلَا يُوجِبُ هَذَا حِنْثًا فِي يَمِينِهِ فَكَانَتْ هَذِهِ الشَّهَادَةُ مُخَالِفَةً لِلدَّعْوَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلِأَنَّهُ مُكْرَهٌ فِي هَذَا الْإِقْرَار، وَالْإِقْرَارُ مُكْرَهًا لَا يَجِبُ بِهِ الْمَالُ فَلَا يَقَعُ الْحِنْثُ فَهَذَا خَلَلٌ ظَاهِرٌ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى اسْتِئْجَارِ الطَّاحُونَةِ) وَكَانَ فِي ذِكْرِ الْحُدُودِ، الْحَدُّ الْأَوَّلُ مُغْتَرَفُ مَاءِ النَّهْرِ، وَالْحَدُّ الثَّانِي مَصَبُّ مَاءِ النَّهْرِ مِنْ الْوَادِي (فَرَدَّ الْمَحْضَرَ) بِعِلَّةِ أَنَّ هَذَا حَدُّ النَّهْرِ لَا حَدُّ الطَّاحُونَةِ، وَالدَّعْوَى وَقَعَتْ فِي الطَّاحُونَةِ وَحْدَهَا، وَلَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الطَّاحُونَةِ وَالنَّهْرِ فَمَا ذَكَرُوا يَصْلُحُ حَدًّا لِلنَّهْرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى إجَارَةٍ مَحْدُودٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ) فَرَدَّ الْمَحْضَرَ بِعِلَّةِ أَنَّ الْأُجْرَةَ ذُكِرَتْ مُطْلَقَةً، وَلَعَلَّ أَنَّهَا مِنْ الْمَكِيلَاتِ، وَبَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ إذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا شَرْطٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ.
(مَحْضَرٌ فِي الْإِجَارَةِ الْمُضَافَةِ إلَى زَمَانٍ بِعَيْنِهِ) وَقَدْ كَتَبَ الصَّكَّ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكَتَبَ فِيهِ أَنَّهُمَا تَقَابَضَا قَبْضًا صَحِيحًا، قِيلَ: قَوْلُهُ تَقَابَضَا قَبْضًا صَحِيحًا لَا يَكَادُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقَعُ قَبْلَ مَجِيءِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَهُ لَا يَكُونُ صَحِيحًا.
(مَحْضَرٌ فِيهِ اسْتِحْقَاقُ جَارِيَةٍ اسْمُهَا دلبر) فَحِينَ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُثْبِتَ الِاسْتِحْقَاقَ عِنْدَ الْقَاضِي لِيَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ ذَكَرَ اسْمَ الْجَارِيَةِ (بنفشه) فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا بِعْتُ مِنْكَ جَارِيَةً اسْمِهَا (بنفشه) وَإِنَّمَا بِعْتُ جَارِيَةً اسْمَهَا (دلبر) فَقَدْ قِيلَ: الْقَاضِي لَا يَلْتَفِتُ إلَى دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ عَلَى بَائِعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يُنْكِرُ بَيْعَ الْجَارِيَةِ بِالِاسْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي، وَقَدْ قِيلَ الْقَاضِي يَسْمَعُ دَعْوَاهُ، إذَا قَالَ: أَرْجِعُ عَلَيْكَ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْك لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْمَانِ (بنفشه) وَ(دلبر)، وَلَوْ كَانَ قَالَ: أَرْجِعُ عَلَيْكَ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ الَّتِي اشْتَرَيْتُهَا مِنْكَ وَاسْتُحِقَّتْ عَلَيَّ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَإِذَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَضَى لَهُ بِالثَّمَنِ.
(مَحْضَرٌ فِي إثْبَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ) وَصُورَةُ ذَلِكَ جَرَى الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي فُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِاسْتِحْقَاقِ حِمَارٍ كَانَ اشْتَرَاهُ بِبَيِّنَةٍ قَامَتْ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَحْضَرِ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ بِمُطْلَقِ الْمِلْكِ أَوْ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ، وَكَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَامَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى نَفْسِ الدَّعْوَى وَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ.
(مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى ثَمَنِ عَيْنٍ مُسَمَّاةٍ) وَكَانَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ الدَّعْوَى فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي مَحْضَرِ الدَّعْوَى تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ لِتَصِحَّ دَعْوَى الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ.
وَلَا يَبْقَى الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَالثَّانِي- أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الدَّعْوَى فَوَاجِبٌ عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ الْمَذْكُورِ إلَى هَذَا الْمُدَّعِي، وَالثَّمَنُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَفِي الْأَمَانَاتِ وَالْوَدَائِعِ الْوَاجِبُ هُوَ التَّخْلِيَةُ دُونَ التَّسْلِيمِ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي فَاسِدٌ غَايَةَ الْفَسَادِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ- فَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّرْعِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالدَّرَاهِمِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ أَوَّلًا.
وَأَمَّا الثَّانِي- فَلِأَنَّ الثَّمَنَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَالْوَاجِبُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ أَمَانَةً، وَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ هَذَا الْقَوْلُ، وَأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ جَمِيعُ مَالِ الْمُشْتَرِي لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الثَّمَنُ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ) فِيهِ دَعْوَى دَنَانِيرَ نَيْسَابُورِيَّةٍ جَيِّدَةٍ حَمْرَاءَ ثَمَنَ دُهْنِ مِقْدَارٍ مَعْلُومٍ اشْتَرَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي وَقَبَضَ الدُّهْنَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِذَلِكَ وَذَكَرُوا قَبْضَ الدُّهْنِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ جَمِيعًا (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ فِي دَعْوَاهُ وَالشُّهُودَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَمْ يَذْكُرُوا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الدُّهْنِ هَلْ كَانَ فِي مِلْكِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ، وَلَا يَجِبُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لَيْسَ بِخَلَلٍ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ هَذَا دَعْوَى الدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الدُّهْنَ مَقْبُوضٌ، أَلَا يُرَى أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا مِقْدَارَ الدُّهْنِ تَصِحُّ الدَّعْوَى، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا قَبْضَهُ فَإِنَّمَا تَصِحُّ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ دَعْوَى الدَّيْنِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ) صُورَتُهُ ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ مِنِّي كَذَا كَذَا حِنْطَةً بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْبَيْعِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَشَهِدَ الْآخِرُ بِالْبَيْعِ بِسَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ، فَقِيلَ: الشَّهَادَةُ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِيهَا، وَقِيلَ: لَوْ صَحَّتْ الدَّعْوَى كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِشْرِينَ مَقْبُولَةً؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْعِشْرِينَ لَفْظًا وَمَعْنَى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهِدَ بِعَقْدٍ غَيْرِ الْعَقْدِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ فَإِنَّ الْعَقْدَ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ غَيْرُ الْعَقْدِ بِعِشْرِينَ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَتَحَالَفَانِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ) ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ كَذَا كَذَا أَقْفِزَةً حِنْطَةً، وَقَالَ فِي دَعْوَاهُ (واين مُدَّعَى عَلَيْهِ اززمين مُسْتَأْجَر مِنْ أَيْنَ مبلغ كندم بِرِدِّهِ است بنا حَقّ) فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الدَّعْوَى (أَيْنَ مبلغ كندم يرده است ازمزرعه مِنْ يَا ازمزرعه مَزَارِع مِنْ) وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ لِتَصِحَّ مِنْهُ دَعْوَى الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ الزَّرْعُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ لَا لِهَذَا الْمُدَّعِي، وَإِذَا ذَكَرَ أَنَّهُ مَزْرُوعٌ مُزَارَعَةً، هَلْ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ اسْمِ الْمُزَارِعِ وَنَسَبِهِ؟ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ عُرِضَ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى أَرْبَعَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَالْمَكْتُوبُ فِي لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ظَاهِرَةٌ، فَقِيلَ: نَسِيَ (هزار) فَقَالَ: إذَا نَسِيَ فَقَدْ فَسَدَ الْمَكْتُوبُ، وَقِيلَ: يَجِبُ أَنْ تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ، وَقَدْ مَرَّ جِنْسُ هَذَا.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ)، وَذَكَرَ قِيمَتَهَا جُمْلَةً، وَلَمْ يُبَيِّنْ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ اكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ التَّفْصِيلَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْحَاصِلِ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَتْ الْأَعْيَانُ قَائِمَةً، أَوْ مُسْتَهْلَكَةً، فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِحْضَارِ عِنْدَ الدَّعْوَى، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ الْقِيمَةِ، وَقَدْ مَرَّ جِنْسُ هَذَا، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُقِرُّ بِاسْتِهْلَاكِ بَعْضِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ وَيُنْكِرُ الْبَعْضَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَعْرِفَ الْقَاضِي أَنَّهُ بِأَيِّ قَدْرٍ يَقْضِي مَعَ هَذَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ خَلَلًا فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى دَيْنًا وَبَيَّنَ قَدْرَهُ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِي دَعْوَى النَّاقَةِ) وَالْمَكْتُوبُ فِي الْمَحْضَرِ الْجَمَلُ، وَأَنَّهُ يُوجِبُ الْفَسَادَ لِمَكَانِ التَّجْهِيلِ فِي الْوَصْفِ، وَلِذَلِكَ لَوْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي نَاقَةٍ وَجَمَلٍ وَكَتَبَ فِي الْمَحْضَرِ نَاقَتَيْنِ أَوْ جَمَلَيْنِ يُرَدُّ الْمَحْضَرُ لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْعَيْنِ تَحْتَاجُ إلَى الْإِشَارَةِ، وَعِنْدَ الْإِشَارَةِ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ الْأَوْصَافِ (وَرُدَّ مَحْضَرٌ) صُورَتُهُ ادَّعَى فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ أَنَّهُ قَطَعَ مِنْ أَشْجَارِ كَرْمِهِ كَذَا كَذَا وِقْرًا مِنْ الْحَطَبِ قِيمَتُهَا كَذَا وَغَصَبَ مِنْ كَرْمِهِ كَذَا كَذَا وِقْرًا مِنْ الْأَعْنَابِ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ نَوْعٍ الْعِنَبِ وَالْحَطَبِ، فَقِيلَ: هَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ فِي الْعِنَبِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فِي الْحَطَبِ؛ لِأَنَّ الْحَطَبَ مِنْ ذَوَاتِ الْقِيَمِ فَيُبَيِّنُ مِقْدَارَ قِيمَةِ الْحَطَبِ وَيَكْتَفِي بِهِ، وَقِيلَ: الْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْجَوْزِ وَالْفِرْصَادِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْخِلَافِ، وَكَذَلِكَ قِيمَةُ الْيَابِسِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الرَّطْبِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُبَيِّنَ نَوْعَ الْحَطَبِ مَعَ مِقْدَارِ الْقِيمَةِ حَتَّى يَعْلَمَ هَلْ هُوَ صَادِقٌ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْقِيمَةِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا) وَصُورَتُهُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ مَالِهَا كَذَا كَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ قَبْضًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الرَّدَّ عَلَيْهَا وَأَقَرَّ فُلَانٌ أَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ مِنْهَا إقْرَارًا صَحِيحًا، وَهُوَ طَائِعٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ، وَلَمْ يَقُلْ عِنْدَ ذِكْرِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ قَبَضَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلَا ذَكَرَ أَنَّهُ قَبَضَ قَبْضًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الرَّدَّ عَلَيْهَا.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السُّغْدِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: مَدَارُ الْأَمْرِ عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ، وَلَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ إقْرَارِهِ إلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ حَتَّى يَنْصَرِفَ ذَلِكَ إلَى الْأَوَّلِ بَلْ هُوَ إقْرَارٌ مُسْتَأْنَفٌ مُطْلَقٌ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ لَا مَحَالَةَ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى، قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ الدَّعْوَى، وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ الْمُطْلَقَ سَبَبٌ لِضَمَانِ الرَّدِّ وَالْعَيْنِ جَمِيعًا فَصَارَ وُجُوبُ الرَّدِّ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي إقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ الْمُطْلَقِ، أَلَا يُرَى إلَى مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: غَصَبْتَنِي هَذَا الثَّوْبَ، وَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: أَخَذْتُهُ مِنْكَ وَدِيعَةً أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْمُقِرُّ ضَامِنٌ مَعَ أَنَّ الْمُقِرَّ هُنَاكَ نَصَّ عَلَى الْأَخْذِ وَدِيعَةً فَهُنَا أَوْلَى.
(عُرِضَ مَحْضَرٌ عَلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-) وَصُورَةُ ذَلِكَ ادَّعَى رَجُلٌ أَعْيَانًا مِنْ الْأَمْوَالِ عَلَى رَجُلٍ وَمِنْهَا قَمِيصٌ قَدْ كَانُوا بَيَّنُوا جِنْسَهُ وَنَوْعَهُ وَصِفَتَهُ وَقِيمَتُهُ وَسَرَاوِيلُ بَيَّنُوا نَوْعَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَقِيمَتُهَا قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ (مرداته) أَوْ (زنانه وازخر دوكلان)، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ قَائِمَةً لَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهَا مَجْلِسَ الدَّعْوَى لِلْإِشَارَةِ إلَيْهَا، وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ (وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى النُّحَاسِ الْمُكَسَّرِ) وَكَانَ الْغَاصِبُ فِي بِلْدَةِ مَرْوَ وَالدَّعْوَى بِبُخَارَى فَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَغْصُوبَ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ هُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَنَوْعٌ هُوَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَكُلُّ نَوْعٍ عَلَى نَوْعَيْنِ أَيْضًا نَوْعٌ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَنَوْعٌ لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَغْصُوبُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ.
نَحْوُ الدَّابَّةِ وَالْخَادِمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَقِيَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْغَاصِبَ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى وَالْمَغْصُوبُ قَائِمٌ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ مِثْلَ الْقِيمَةِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ أَوْ أَكْثَرَ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ يَأْخُذُ عَيْنَ مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْغَاصِبَ بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ حَقِّهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ، وَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ فَالْمَغْصُوب مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْمَغْصُوبَ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْقِيمَةَ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ بِهِ حَتَّى يَذْهَبَ الْغَاصِبُ بِالْمَغْصُوبِ إلَى بَلْدَةِ الْغَصْبِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْعَيْنَ فَقَدْ وَصَلَ إلَيْهِ عَيْنُ مِلْكِهِ مَعَ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ مِنْ قِبَلِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْأَشْيَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ بِتَفَاوُتِ الْأَمْكِنَةِ، وَهَذَا التَّفَاوُتُ إنَّمَا حَصَلَ بِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ، وَهُوَ نَقْلُهُ إلَى هَذَا الْمَكَانِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ بِأَخْذِ الْعَيْنِ وَلَهُ أَنْ لَا يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ وَيَأْخُذَ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ أَوْ يَنْتَظِرَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَقِيَهُ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ، وَقَدْ انْتَقَصَ السِّعْرُ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ مَا حَصَلَ بِفِعْلٍ مُضَافٍ إلَى الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنًى رَاجِعٍ إلَى رَغَبَاتِ النَّاسِ فَلَا يَضْمَنُ أَمَّا إذَا نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخِرَ فَهَذَا النُّقْصَانُ حَصَلَ مُسْتَنِدًا إلَى فِعْلِ الْغَاصِبِ، وَهُوَ النَّقْلُ فَأَمْكَنَ إيجَابُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَدْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَقِيَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ أَكْثَرَ يُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهِ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ إنْ شَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي بَلْدَةِ الْخُصُومَةِ أَكْثَرَ فَالْغَاصِبُ يُعْطِيهِ قِيمَتَهُ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ إلَّا فِي مَكَانِ الْغَصْبِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ وَلَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ كَالْكُرِّ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَكَالنُّحَاسِ الْمُكَسَّرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَائِمًا فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَلَقِيَهُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ مِثْلَ السِّعْرِ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ أَوْ أَكْثَرَ أَخَذَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَاهُ، وَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَقَلَّ فَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ قَدْ هَلَكَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ، فَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ مِثْلَ السِّعْرِ فِي بَلْدَةِ الْخُصُومَةِ فَالْغَاصِبُ يَبْرَأُ بِرَدِّ الْمِثْلِ وَالْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَيْضًا يُطَالِبُهُ بِرَدِّ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ السِّعْرُ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ أَكْثَرَ فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ طَالَبَهُ بِرَدِّ الْمِثْلِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِقِيمَتِهِ فِي بَلْدَةِ الْغَصْبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ.
وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ فِي مَكَانِ الْخُصُومَةِ أَكْثَرَ فَلِلْغَاصِبِ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِثْلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ قِيمَتَهُ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ إلَّا فِي مَكَانِ الْغَصْبِ فَلَوْ أَلْزَمْنَا الْغَاصِبَ تَسْلِيمَ الْمِثْلِ عَلَى التَّعْيِينِ يَسْتَضِرُّ بِهِ الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ قِيمَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ فَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ إعْطَاءِ الْمِثْلِ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ إعْطَاءِ الْقِيمَةِ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالتَّأْخِيرِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ لِلْحَالِ، إذَا عَرَفْتَ جَوَابَ هَذِهِ الْفُصُولِ خَرَجَ جَوَابُ الْمَحْضَرِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ النُّحَاسِ بِبُخَارَى مِثْلَ قِيمَةِ النُّحَاسِ بِمَرْوَ فَحَقُّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي ذَلِكَ النُّحَاسِ، فَإِنْ ادَّعَى الْمِثْلَ صَحَّ دَعْوَاهُ وَمَا لَا فَلَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ النُّحَاسِ بِمَرْوَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِبُخَارَى فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ طَالَبَهُ بِالْمِثْلِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ شَاءَ طَالَبَهُ بِقِيمَتِهِ بِمَرْوَ يَوْمَ الْخُصُومَةِ فَأَيُّ ذَلِكَ شَاءَ وَعَيَّنَهُ وَادَّعَاهُ يَصِحُّ دَعْوَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ بِبُخَارَى أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ بِمَرْوَ وَيُطَالِبُ الْغَاصِبَ بِأَيِّهِمَا شَاءَ الْغَاصِبُ وَيَقُولُ لَهُ الْقَاضِي: أَدِّ أَيَّهُمَا شِئْتَ، إمَّا قِيمَتَهُ بِمَرْوَ وَإِمَّا مِثْلَهُ فِي الْحَالِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ) صُورَتُهُ حَضَرَ فُلَانٌ وَأَحْضَرَ مَعَهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ فَأُجِيبَ بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَاضِرٌ، وَفِي الْحَاضِرِ الْإِشَارَةُ تَكْفِي، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الِاسْمِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ، وَأَمَّا فِي الْغَائِبِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجَدِّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- هُوَ الصَّحِيحُ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ) صُورَتُهُ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى وَرَثَةِ زَوْجِهَا بَقِيَّةَ مَهْرِهَا الَّذِي كَانَ لَهَا، وَأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهَا بِذَلِكَ طَائِعًا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُوَفِّيَهَا ذَلِكَ وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهِمْ مَا فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ وَزِيَادَةٌ، وَفِيهِ جَوَابُ الْإِمَامِ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِالْفَسَادِ بِعِلَّةِ أَنَّهَا لَمْ تُبَيِّنْ أَعْيَانَ التَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ وَتَعْرِيفِهَا بِمَا يَقَعُ بِهِ الْمَعْرِفَةُ نَحْوُ ذِكْرِ الْحُدُودِ فِي الْمَحْدُودَاتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بَعْضُهُمْ شَرَطُوا بَيَانَ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْحَاكِمُ أَحْمَدُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي شُرُوطِهِ ذَكَرَ فِي سِجِلِّ إثْبَاتِ الدَّيْنِ، إنْ أَجْمَلَ كَانَ كَافِيًا، وَإِنْ بَيَّنَ وَفَسَّرَ كَانَ أَحْوَطَ، وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَمْ يَشْتَرِطْ بَيَانَ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْوَفَاءِ بِالدَّيْنِ وَالْخَصَّافُ ذَكَرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ مِثْلَ مَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ وَالْقَضَاءِ بِهِ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَأْمُرُ الْقَاضِي الْوَارِثَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إذَا ثَبَتَ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ، وَعِنْدَ إنْكَارِهِمْ وُصُولُ التَّرِكَةِ إلَيْهِمْ لَا يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فِي أَيْدِيهِمْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ وَهَكَذَا حَكَى فَتْوَى شَمْسِ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيِّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ) فِيهِ ذِكْرُ إقْرَارٍ بِمَالٍ فَرَدَّهُ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِطَوْعٍ قَالَ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، وَقِيلَ: إنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ، وَلَيْسَ بِأَمْرٍ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِيمَا بَيَّنَ النَّاسُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِطَرِيقِ النُّدْرَةِ وَمَا كَانَ نَادِرًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
(مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى رَجُلَيْنِ صَدَاقَ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا) وَصُورَتُهُ أَنَّ الْمُسَمَّاةَ فُلَانَةَ التُّرْكِيَّةَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ لِهَذِهِ التُّرْكِيَّةِ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ مِنْ صَدَاقِهَا كَذَا، وَهَكَذَا أَقَرَّ هُوَ وَجَاءَ بِشُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ لِلتُّرْكِيَّةِ الْمُسَمَّاةِ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمُزَوِّجِ.
وَهَذَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْجَارِيَةَ صَارَتْ لَهُمَا مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِمَا، إمَّا بِالْإِرْثِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ أَوْ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ التَّزْوِيجَ كَانَ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ، فَإِنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ أَوْ مِنْ الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ الْمُتَصَدِّقِ كَانَ الصَّدَاقُ لَهُ لَا لِهَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَاهُمَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ مُورِثِهِمَا فَالصَّدَاقُ يَجِبُ لِلْمُورِثِ أَوَّلًا، ثُمَّ يَجِبُ لِلْوَارِثِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ حَقِّ الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّهُمَا قَالَا لَهَا عَلَى هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الصَّدَاقِ كَذَا، وَالصَّدَاقُ يَجِبُ لِمَالِكِهَا لَا لَهَا، وَلِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهَا بِالصَّدَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، أَمَّا مَا شَهِدُوا بِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً لِهَذَيْنِ الْمُدَّعِيَيْنِ وَمَا لَمْ يَثْبُتْ بِالْحُجَّةِ كَوْنُهَا مَمْلُوكَةً لِلْمُدَّعِيَيْنِ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِتَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إلَيْهِمَا.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى صَبِيٍّ) فَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّ دَعْوَى الصَّبِيِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ فِي الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ، أَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا، وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَجَوَابُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ (مَحْضَرٌ) فِيهِ دَعْوَى رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَكَزَهُ خَطَأً وَأَصَابَ وَجْهَهُ وَانْكَسَرَ مِنْ شِدَّةِ ضَرْبِهِ ثَنِيَّةٌ مِنْ ثَنَايَاهُ الْيُمْنَى مِنْ الْأَصْلِ وَوَجَبَ لِهَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَطَالَبَهُ بِالْجَوَابِ (فَرُدَّ الْمَحْضَرُ) بِعِلَّةِ أَنَّ الضَّرْبَ إذَا كَانَ خَطَأً فَمُوجِبُهُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا عَلَى الضَّارِبِ وَحْدَهُ، وَإِنْ اخْتَلَفُوا أَنَّ الضَّارِبَ، هَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَاقِلَةِ؟ وَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الضَّارِبِ ابْتِدَاءً، وَالْعَاقِلَةُ يَحْمِلُونَ عَنْهُ، أَوْ الْوُجُوبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً، وَالثَّانِي- أَنَّ الضَّارِبَ، هَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَاقِلَةِ فَلَا تَسْتَقِيمُ دَعْوَى مُطَالَبَتِهِ بِجَمِيعِ الْمُوجِبِ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى الضَّمَانِ) وَرُدَّ بِعِلَّةِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَالَ فِي دَعْوَاهُ: وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ ضَمِنَ الْمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ ضَمِنَ لِي، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ لِتَصِحَّ مُطَالَبَةُ الْمُدَّعِي إيَّاهُ بِحُكْمِ الضَّمَانِ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَلَلٍ.
(وَرُدَّ مَحْضَرٌ فِيهِ دَعْوَى دَفْعِ الدَّفْعِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَصُنُوفًا مِنْ الْأَمْوَالِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى ابْنِ الْمَيِّتِ أَنَّ أَبَا هَذَا مَاتَ، وَقَدْ كَانَ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقِ كَذَا، وَمَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَيْهَا وَخَلَّفَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي يَدِ هَذَا الِابْنِ كَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهَا تَفِي بِهَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ الصَّدَاقِ وَزِيَادَةً وَأَنْكَرَ الِابْنُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عَلَى أَبِيهِ صَدَاقٌ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَادَّعَى الِابْنُ عَلَيْهَا فِي دَفْعِ دَعْوَاهَا أَنَّكِ أَبْرَأْتِ أَبِي عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى بَعْدَ مَوْتِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الِابْنِ فِي دَفْعِ دَعْوَاهُ الدَّفْعَ أَنَّكَ مُبْطِلٌ فِي دَعْوَى الْإِبْرَاءِ لِمَا أَنَّكَ طَلَبْتُ مِنِّي الصُّلْحَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيكَ عَلَى كَذَا وَكَذَا.
فَقِيلَ: لَا شَكَّ أَنَّ دَفْعَ الِابْنِ دَعْوَاهَا صَحِيحٌ مَعَ مَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ إنْكَارِ الصَّدَاقِ عَلَى الْأَبِ؛ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَى الْأَبِ الصَّدَاقُ، وَلَكِنْ لَمَّا ادَّعَتْ شَفَعْنَا إلَيْهَا حَتَّى تُبْرِئَهُ فَأَبْرَأَتْهُ فَأَمَّا دَفْعُ الدَّفْعِ فَيُنْظَرُ إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَبَ مِنِّي الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَايَ لَا يَصْلُحُ هَذَا دَفْعًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَنْ دَعْوَى الشَّيْءِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِلْمُدَّعِي، وَكَذَلِكَ طَلَبُ الصُّلْحِ عَنْ الدَّعْوَى لَا يَكُونُ إقْرَارًا فَكَذَا هُنَا طَلَبُ الصُّلْحِ مِنْ الِابْنِ عَنْ دَعْوَى الْمَهْرِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِمَهْرِهَا، وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَبَ الصُّلْحَ عَنْ مَهْرِي فَالْمَسْأَلَةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَهَذَا لِأَنَّ طَلَبَ الصُّلْحِ عَنْ الشَّيْءِ إقْرَارٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِلْمُدَّعِي فَتُثْبِتُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ إقْرَارَ الِابْنِ بِصَدَاقِهَا عَلَى أَبِيهِ، وَقَدْ تُثْبِتُ بَيِّنَةُ الِابْنِ إبْرَاءَ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَ عَنْ الصَّدَاقِ،
وَلَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا تَارِيخٌ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا وَقَّعَا مَعًا الْإِبْرَاءَ وَالطَّلَبَ لِلصُّلْحِ فَيَصِيرُ الِابْنُ رَادًّا الْإِبْرَاءَ بِطَلَبِ الصُّلْحِ عَنْ الصَّدَاقِ وَرَبُّ الدَّيْنِ إذَا أَبْرَأَ الْمَيِّتَ عَنْ الدَّيْنِ فَرَدَّ الْوَارِثَ إبْرَاءَهُ، هَلْ يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ بِرَدِّهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يَرْتَدُّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَا يَرْتَدُّ فَيَصِحُّ الدَّفْعُ.
(سِجِلٌّ وَرَدَ مِنْ خُوَارِزْمَ فِي إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ)، وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ شَهِدُوا عَلَى مُوَافَقَةِ الدَّعْوَى فَظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ خَلَلٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ الْمُحَاضَرَاتِ أَنَّ تَرْكَ لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ خَلَلٌ فِي مَحْضَرِ الدَّعْوَى، وَلَيْسَ بِخَلَلٍ فِي السِّجِلِّ، وَذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا: وَقَضَيْتُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ بِحَضْرَتِهِمَا فَظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ خَلَلٌ.
وَلَيْسَ بِخَلَلٍ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِحَضْرَتِهِمَا حَمْلًا لِقَضَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، وَقَدْ غَلِطُوا فِي الِاسْم فَجَعَلُوا اسْمَ الْوَكِيلِ لِلْمُوَكِّلِ وَاسْمَ الْمُوَكِّلِ لِلْوَكِيلِ فَظَنَّ بَعْضُ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ خَلَلٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِخَلَلٍ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُوَكِّلَ مُتَخَاصِمَانِ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْإِشَارَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْمِ.
(عُرِضَ سِجِلٌّ كُتِبَ فِي آخِرِهِ) ثَبَتَ عِنْدِي، وَلَمْ يَكْتُبْ حَكَمْتُ فَرُدَّ السِّجِلُّ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَأَنَّهُ سَهْوٌ فَقَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ حَكَمْتُ.
(عُرِضَ سِجِلٌّ فِي دَعْوَى الْوَقْفِيَّةِ) صُورَتُهُ حَضَرَ فُلَانٌ وَأَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ فُلَانًا، وَهَذَا الْحَاضِرُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فُلَانٍ فِي دَعْوَى وَقْفِيَّةِ الضَّيْعَةِ الَّتِي حُدُودُهَا كَذَا نَصَّبَهُ الْقَاضِي فُلَانٌ لِيُثْبِتَ الْوَقْفِيَّةَ عَلَى فُلَانَةَ وَأَوْلَادِهَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهَا وَقَفَهَا فُلَانٌ عَلَى ابْنَتِهِ فُلَانَةَ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهَا، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا وَبَعْدَ انْقِرَاضِهِمْ عَلَى مَسْجِدٍ جَامِعٍ كَذَا فَادَّعَى هَذَا الْحَاضِرُ عَلَى هَذَا الْمُحْضَرِ مَعَهُ أَنَّ هَذَا الْمُحْضِرَ أَثْبَتَ يَدَهُ عَلَى هَذِهِ الضَّيْعَةِ الْمَحْدُودَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى فُلَانَةَ، ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ قَصْرُ يَدِهِ وَتَسْلِيمُهَا إلَيَّ لِأَقْبِضَهَا بِالْإِذْنِ الْحُكْمِيِّ، فَقِيلَ: هَذَا السِّجِلُّ وَقَعَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَمْ يَذْكُرْ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ يَدَّعِي الْوَقْفِيَّةَ لِيَصْرِفَ الْغَلَّةَ إلَى فُلَانَةَ وَأَوْلَادِهَا وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهَا أَوْ لِيَصْرِفَ الْغَلَّةَ إلَى مَصَالِحِ الْجَامِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ بَقَاءِ فُلَانَةَ أَوْ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهَا أَوْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا لَا تُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَى مَصَالِحِ الْجَامِعِ وَعَلَى تَقْدِيرِ انْقِرَاضِهِمْ فَالْمُدَّعِي لَيْسَ بِخَصْمٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا نَصَبَهُ لِيَدَّعِيَ وَقْفِيَّةُ هَذِهِ الضَّيْعَةِ لِهَؤُلَاءِ لَا لِلْجَامِعِ، وَقِيلَ: السِّجِلُّ صَحِيحٌ، وَهَذَا الْخَلَلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْمَصَارِفَ مُخْتَلِفَةٌ، وَالْبَعْضُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَعْضِ فَالْإِذْنُ مِنْ الْقَاضِي بِدَعْوَى وَقْفِيَّةِ هَذِهِ الضَّيْعَةِ لِأَجْلِ الْبَعْضِ يَكُونُ إذْنًا بِدَعْوَى وَقْفِيَّتِهَا لِأَجْلِ الْكُلِّ فَصَارَ مَأْذُونًا بِدَعْوَى الْوَقْفِيَّةِ لِأَجْلِ الْكُلِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْمَصَارِفِ فِي الدَّعْوَى وَيَكْفِيهِ دَعْوَى أَصْلِ الْوَقْفِيَّةِ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَ أَصْلًا، فَإِنْ بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ تُصْرَفُ الْغَلَّةُ إلَيْهِ وَإِلَّا تُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْجَامِعِ.
(عُرِضَ سِجِلٌّ فِي دَعْوَى حُرِّيَّةِ الْأَصْلِ) وَكَانَ فِي الدَّعْوَى أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَأَنَّهُ عُلِقَ حُرًّا وَوُلِدَ عَلَى فِرَاشِ الْحُرِّيَّةِ وَأُمُّ الْمُدَّعِي هَذَا مُعْتَقَةٌ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ الْحُرِّيَّةِ، وَلَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ عُلِقَ حُرُّ الْأَصْلِ أَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى هَذَا فَأَفْتَى كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- بِصِحَّتِهِ فَإِنَّ مُحَمَّدًا- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا حُرُّ الْأَصْلِ اكْتَفَى بِهِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ- رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى- مَنْ زَعَمَ فَسَادَ السِّجِلِّ؛ لِأَنَّ الْعُلُوقَ بِالْوَالِدَيْنِ كَانَ بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ كَانَ الْوَلَدُ حُرًّا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنُوا ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ كَيْفَ يَقْضِي بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ وَبِصِحَّةِ السِّجِلِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.